عبدالعزيز السماري
أكتب هذا المقال من أجل فئة منسية في أروقة المكاتب والصحف والإعلام، هي فئة المصحح أو المدقق اللغوي، والتدقيق اللغوي هو فن مراجعة النصوص المكتوبة بلغة ما، والتأكد من صحتها وسلامتها اللغوية والنحوية والإملائية دون إجراء أي تعديل أو تغيير عليها، وذلك لأن حذف بعض العبارات أو الحروف وتعديلها وفق إرادته تجعل المدقق يخرج عن إطار عمله، ويدخل كاتب النص في وضع محرج للغاية أمام المتلقي.
من خبرتي غير القصيرة نوعاً ما في كتابة المقال أجدني في بعض من الأحيان في حالة حذر من اجتهاد المدقق اللغوي في تغيير بعض الكلمات أو الحروف، وهو ما قد يفسد المعنى، أو يهده من عال مبانيه كما يقول الشاعر، ولو لطف جهاز التحرير في بعض الحالات، وتوجيهه بالاتصال بالكاتب، لكانت الحال أسوأ في كثير من الأحيان..
في مقال الاثنين الماضي اجتهد المدقق، وغيَّر عنوان المقال من توطين ستيف جوبز إلى ستيف جوب، وهو ما أفسد المعنى، فالمقصود الشخصية الأشهر في عالم الابتكار، والذي كان أشهر من علم على رأسه نار، ستيف جوبز، لكن اجتهاد المدقق غيره إلى «جوب»، وقد يكون هذا اسمه في جواز السفر، لكنه غير معروف، وهو ما حول المقال إلى حالة من المجهول.
عموماً لا أحمل الخطأ المدقق اللغوي، فقد كان أيضاً اسمه مكتوباً جوب في داخل المقال، بينما في عنوان المقال جوبز، لكنه مشهور جداً، ولا يمكن تجاوز هذا الخطأ بخطأ آخر، فالمعروف جداً أنه اسمه جوبز، لكن المدقق رأى غير ذلك، فكان العنوان يفتقر للمعنى، وأعتذر بالنيابة عن الجميع عن هذا الخطأ المشترك.
ما يحدث من عفوية في التدقيق اللغوي يتحمّله التأخير غير المبرر لترجمة العلوم إلى اللغة العربية، فالعقل العربي لا يزال يفكر ويكتب بكلمات قرون مضت، لكنه لا يستطيع مواكبة التقدم العلمي والاقتصادي والتقني، بسبب غياب العلم عن لغته الأم، ومهما أتقن العربي الحديث بلغة الإعلام الإنجليزية، فإنه يفتقر إلى حد كبير إلى فهم العلم الحديث وفحواه ورموزه..
يغيب عن الكثير أن اللغة العربية تعد أثرى لغة في التاريخ، فقد وصلت كلماتها رغم توقفها عن التطور إلى مليوني كلمة، بينما لا تتجاوز كلمات اللغة الإنجليزية ستمائة ألف كلمة، وقد صدر أول معجم عربي عربي للخليل بن أحمد في القرن الثامن ميلادي، وتلاه عديد من المعاجم، بينما كان أول معجم إنجليزي إنجليزي في القرن التاسع عشر.
هي دعوة أخرى، للبدء في بناء أهم مشروع عربي مشترك، وهو مركز للترجمة الفورية لمختلف العلوم إلى اللغة العربية، وسيكون مفيداً لمختلف فئات المجتمع العربي، القاضي والمزارع والتقني والفني والمؤرِّخين والمعلمين والطلبة، ولا يمكن أن أنسى المدقق اللغوي، وذلك من أجل أن تواكب معرفته في الكلمات والأسماء ما يحصل من تقدم في القرن.. الواحد والعشرين.