فهد بن جليد
صوت الآلات الموسيقية التقليدية والطبيعية مُفيد للقلب، بينما صوت الآلات الإلكترونية مؤذ للأعصاب دون أن يشعر المستمع، المسألة أشبه عندي بأصحاب الأصوات الجميلة في الغناء والحداء في الهواء الطلق، وأولئك الذين تتزيَّن شيلاتهم وأغانيهم بالمحسِّنات والإفكتات الإلكترونية التي يضيفها مُهندسو الصوت لتحويل أنكر الأصوات (نهيق الحمير) إلى أجملها وأطربها (زقزقة العصافير)، ومثل ذلك مُحسِّنات الأصوات في الخطب والتلاوات التي تعتمد على صدى الصوت، وأذكر قديماً أنَّ بعض المُنشدين الشباب كانوا يقصدون الغُرف الخالية في المباني تحت الإنشاء، وخزانات المياه أو حتى استخدام (القدور) أواني الطبخ، من أجل تحسين أصواتهم وتسجيل أناشيدهم، ثلاث جامعات عالمية هي (ساوباولو، أكسفورد، بارما) نشرت مؤخراً توصية علمية باعتماد صوت الموسيقى الحقيقة لا الإلكترونية لتخفيف إجهاد العمل وتوتر الازدحام المروري أثناء قيادة السيارة، وفي هذا دليل على حجم الضرر الذي نتعرَّض له كل يوم من تلك الأصوات غير الطبيعية التي تُشنِّف أسماعنا طوال الوقت.
الأعمال السينمائية والبرامج التلفزيونية هي الأخرى يتم إضافة مؤثِّرات صوتية لها من مصادر طبيعية أو أصوات حيوانات أو حتى محركات طائرات يتم التلاعب بها ببراعة لإضافة معنى أو رسالة للمادة المُقدمة، حتى يحصل التأثير في المشاهد، فلو شاهدت أعمالاً عالمية مشهورة دون مؤثِّراتها الصوتية فلن تتقبلها إطلاقاً، وهو ما يعني أنَّ التقنية الصوتية في كل حالتها خدعة ذات سلاحين، ظاهرة فقدان الأصوات الطبيعية تتنامى ولن يدرك الإنسان حجم الخسارة وثمنها إلا في وقت مُتأخر بعد أن يفقد القدرة على التمييز بين مُختلف الأصوات، نتيجة تعرّضه المفرط لضوضاء صوتية صاخبة، لاحظ أنَّ هناك كمية مهولة لا يمكن حصرها من الذبذبات السمعية التي نتعرَّض لها، ولنحمد الله أنَّه وضع ترددات خلقية تضبط الأصوات التي يمكن أن تلتقطها الأذن البشرية، فالتعرّض لكمية أكبر من الإيقاعات والضوضاء له ضرر لاحق في فقدان السمع أو التركيز على أقل تقدير.
التقنية الرقمية خلقت لنا جيلاً جديداً ومُخيفاً في عالم الصوتيات، بحيث يمكن دبلجة الصورة مع الصوت للحصول على درجة مُحدَّدة من النبرة، ومن ثمَّ تركيب ما نشاء من الكلام عليها بتحريك الشفاه إلكترونياً بالطريقة التي نرغب فيها وبالنص الذي نحدده، الخدعة سابقاً كانت في القول المُزيَّف والخشية من سماعه، أمَّا اليوم فلا يمكنك تصديق كل ما يُقال ويُسمع ويُشاهد، حتى لو خُيِّل إليك أنَّه غناء وطرب.
وعلى دروب الخير نلتقي.