د. خيرية السقاف
ما دام أن الهواء الذي جاء محمّلاً بالبرودة، وعبق الزهور، وندى المطر
فإن الشتاء وإن تأخرت قافلته، فهو على الطريق قد جاء..
الزائر الجميل الذي تنهض المدن لتبوح فيه بأسرار جمالها، ومكنون مدهشاتها.
دعوا الفلاحين في حقولهم، فهم يعرفون كيف يرِدون جداول الماء وإن تجمد،
أو تكسر، أو سال.......،
وإن مساراته تطيب لها قلوب الزرع، وتنتشي بها ثمرات غصونه ناف أعلى، أو افترش أدنى!..
دعوا المراعي تفوح بزخم التراب، ومنابت البراري، ورواء الهضاب، وإغراء التلال،
ولمعة الجبال، وملمس الحجر، وانتشاء العشب، وصدى الريح، وغثاء الماشية..
دعوا المصانع تتنفس أبخرتها، وتشمخ مآذنها، وتضخ صنيعها..
دعوا الساسة في حلبتهم، وغلبتهم، ومنجزاتهم، وحثيث ركضهم، وكثير فعلهم..
دعوا المفوَّهين فوق منصاتهم، وداخل أقبيتهم، وخلف أبوابهم، وتفرّغوا لترميم أنفسكم..
لا تدعوا الفضاء الفضي وهو ينشد فسيفساء جماله أن تعزف نسيج الإبهار ولا تصغوا،
وتفرش نسيج الانجذاب ولا تمتزجوا، وتلتقط من جوفكم آهة دهشة ولا تتفاعلوا، ومن شفاهكم بسمة نشوى فلا تطربوا،
تأملوها جزيئة جزيئة؛ وشيلان كتوفها تحتوي رعشة بردكم، وجمرة حطبكم، ولمتكم حول المواقد في اهتبال بذخ فتنتها..
وقد اقتربت قافلة الشتاء من النزول بكم، فانطلقوا في براح محطتها فرحين تتغنون، تجتمعون، وتتأملون، تتوحّدون تتفكرون!...
دعوا المدن الفارهة، والمكتظة، والقرى التي تسعى، والتي تُبنى، والمحطات التي يؤمّها الغائبون، ويغادرها الراحلون كي تفرغ للحظات المتعة بجمال الشتاء..
تحلّلوا من الرغي، والهذر، والكظم، والمضغ، وكثرة الكلام..
كونوا في المعية للدهشة الوارفة في كنف الجمال..
فإن الشتاء جاء..