عبدالوهاب الفايز
لن نرجو للشعب الإيراني إلا كل خير وسلام، ولن نتمنى أن يشرب من (كاس المرارة) التي شربت منها شعوب عديدة، ولن نتمنى أن يتجرع مرارة الشعوب العربية التي راح مستقبلها نتيجة (مشروع نظام ولاية الفقيه) الذي سعى في الأرض ليفسد فيها، ويثير الخراب؛ لكي يصدر الثورة.
هذا المشروع نراه الآن يدخل مرحلة إعلان الإفلاس، وأول من يقاومه هو (الشيعة العرب) الذين يرون كيف انتهى الحال بهم وبأوطانهم. إنه مشروع ينكشف زيفه وخداعه.
ومع الأسف، نراه ينتهي بعد دمار أربع دول عربية، والآن نرى هذا المشروع ينتهي بإيران إلى الخراب والدمار.. فالشعب الإيراني ضحية مشروع النخبة السياسية الخمينية، كما هو الحال في العراق وسوريا ولبنان واليمن؛ فالنخب في هذه البلاد تحالفت مع مشروع تصدير الثورة الإيرانية؛ لتسرق بلادها، وتبني الثروات.. ومنهم من فر بما سرق، ومنهم من يرتب حاله للخروج بالمزيد من المكاسب. يتشبثون بالسلطة إلى أن يأتيهم الطوفان!
انطلاقة المظاهرات في المدن الإيرانية الرئيسية، وسقوط القتلى والجرحى، واستمرارها في العراق ولبنان.. بداية النهاية لمشروع ولاية الفقيه، ومؤشر النهايات، تقدمه الشعوب التي قررت التحرر من الاحتلال والاستغلال.. فمشروع تصدير الثورة طائفي عدمي، يستدعي ثارات التاريخ.. والأجيال الجديدة الشابة التي وُلدت ونشأت على الوعود الثورية، بالذات في إيران، لن يهمها أو يعنيها أن تهدر ثرواتها ومستقبلها لأجل حماية المراقد الشيعية، والثأر للحسين! الشعب الإيراني ظل يعاني لأكثر من نصف قرن، والمهجرون من الإيرانيين بالملايين، وعشرات الملايين يعيشون تحت خط الفقر، والعرب في الأحواز، شيعة وسنة، طبَّق عليهم النظام الإيراني كل فنون إرهاب الدولة.
الطبقة السياسية التي تاجرت بهذا المشروع لن تتيح لها ثورة الوعي الجديدة مواصلة الخداع والكذب؛ فالواقع المر الذي تعيشه الشعوب المخدوعة هو وقود هذه الثورات الجديدة. لقد أنشأت إيران في الدول التي احتلتها، وهيمنت على قراراتها السيادية، طبقة سياسية، مارست الإرهاب المنظم والتطهير العرقي وإرهاب الخصوم، أي تجاوزت حالة الدولة البوليسية التقليدية المتواضعة في ممارسة العنف ومطاردة الخصوم، وبناء الملفات من تقارير المخبرين. هؤلاء قدموا شكلاً مطورًا للدولة الإرهابية. هؤلاء ليس لديهم الوقت؛ فالقتل يتم على الهوية وسوء النية.
وهذا الشكل المطور لإرهاب الدولة رأيناه في موقف الطبقة السياسية المتحكمة في الدول الأربع التي تهيمن عليها إيران. إرهاب الدولة في نظام ولاية الفقيه يتجلى بوجهه القبيح في تهديد علي خامنئي للمتظاهرين في إيران، كما هددهم من قبل في العراق ولبنان. التهديد والوعيد هو جوهر الخطاب السياسي رغم أن الناس خرجوا للشوارع للمطالبة بتحسين أوضاع معيشتهم الأساسية. هكذا وُلد النظام، دمويًّا عنيفًا.
طبعًا الأنظمة الثورية لها عمرها الافتراضي؛ فطاقة العنف التي تدفع بالنظام، وتؤسس هيبته وسطوته على رقاب البشر، لا بد أن تستنفد مخزونها، وتصبح الطاقة الأخرى المقاومة في مرحلة الكمون والتشكُّل. العنف يولد العنف المضاد الذي قد يأتي أقوى وأعنف. والآن نرى الصورة أمامنا.. فبعد مضي أربعة عقود على نظام الخميني بدأ الناس يصحون على هذا السؤال الوجودي: ماذا قدمت ثورة الخميني للمخدوعين بها؟ ثورة قامت على الدم، وأكلت أبناءها في سنواتها الأولى، والآن نراها تهدد كل من يطالب بحقه.
كل الذي نرجوه هو أن تكون نهاية مشروع نظام ولاية الفقيه بداية الاستقرار في المنطقة. وهذا الاستقرار - إذا تحقق - فإنه - مع الأسف - يأتي وقد دفعت المنطقة ثمنًا غاليًا له: مدنًا دمرتها الحروب، إرهابًا، تشردًا، مهجرين يواجهون أهوال البراري والبحار، سجونًا متضخمة، يتامى وأرامل ومعاقين ومشوهين، وأطفالاً تربوا على مشاهد العنف والقتل! منطقة تخرج من الرماد!