علي الخزيم
كان السائد سنين مَضَت أن الفتيات هن أحرص الفئات العُمرية على تتبع خطوط الموضة بالملابس وآخر تقليعات الصالونات النسوية لتسريحات الشعر، والجفون والرموش و(الميك أب) ونحوها، وكان الرجال وإن تقبَّل بعضهم الأمر على مضض داخل أسرته؛ فإنه يُسلِّي نفسه بأنها الأجيال وما تتبعها نفوسهم من حب للتجديد، والنظر لكل جديد، والقناعة بأن الجمال وإضافاته ومستحضراته إنما هي عشق النساء فلا بأس إن تغاضى ولي الأمر - حينها - قليلاً لإدخال السرور على بُنَيَّاته، وأنه كما كان يرغب فيما لا يرغبه والده؛ فها هي فتياته بنفس الاتجاه فلماذا التشدد بأمر نقتنع أنه من سنن الكون وأنه سيتم الآن أو بعد حين، إذن فَلْيَفرحن الآن لا غداً، فهذا كان من المنطق المعتدل وإن خالفه أحدهم فهي خصوصيته ولم يقترف جُرماً، غير أن البعض يألف الرتابة بكل أموره وتلبُّس ظروف الأجيال الماضية كأنه يعيش معهم.
جمال المظهر بحده المعقول مطلب ضروري، لكن المؤسف الآن أن فئات من الشباب أخذوا بتتبع الموضة وتسريحات من يُسمّون بالمشاهير وبعض الرياضيين هنا وهناك، دعك ممن عاداته وتقاليده في بيئته الاجتماعية تتقبل نسبياً ذاك الظهور وإن لم يتقبله الجميع، إلَّا أن بعض شبابنا - هداهم الله للصواب - يُقلِّدون ما يشاهدونه دون اعتبار لملاءمته للبيئة الاجتماعية، أو دخوله ضمن المنهي عنه شرعاً، وحتى إن حاولنا تفسير وتخريج هذه القيم؛ فإن منظر أكثرهم لا يمكن قبوله أو هضمه بأي صورة من الصور بسبب الظهور المُقزِّز أحياناً بقصات الشعر المُنفِّرة، التي بينها - كما سمعت - قصة الهدهد، وبَزْعَة القنفذ، وكشة الأسد، واكتفي بهذه لأن بعض مسميات تسريحاتهم وقصَّاتهم لا يَحْسُن ذكرها هنا.
يحسن القول لمتتبعي المظاهر من الجنسين أن ما يناسب إنسان ما؛ قد لا يناسبك بالضرورة، فكل هندام ومظهر وتسريحة وماكياج يلائم غالباً جسماً ولوناً وقواماً وشَعْراً يتواءم معه، ويَتَّسِق مع المظهر العام إذا أشرفت عليه عَينٌ لمَّاحة ويدٌ ماهرة، فلا تُؤخذ مثل هذه الأمور جُزافاً لمجرد أننا أبصرنا ذا مظهر أعجبنا فنسارع لتقليده، ومن مقومات الشخصية الناضجة أن تكون واثقة بذاتها ومعطياتها ومكتسباتها بالحياة، والقناعة بأننا لا نختار صُورنا وألواننا وبقية خِلقتنا، قيمتك بثقتك بنفسك وأن هذا أنت كما خلقت لتعيش متصالحاً مع ذاتك بما وهبك الله قَلَّ أو كثر، ولنتأكد أن المبالغة بالتعديلات التي نصنعها على مظهرنا بشكل عام لن تغيِّر بالأمر شيئاً عندما نراجع عقولنا ودواخل نفوسنا لنعيش الواقع دون تصنّع وتلوّن لن يدوم طويلاً، لا سيما إذا تيقنا أن الناس يتعاملون معنا بحسب نتاج عقولنا ومدى تحكُّمنا بقلوبنا وألسنتنا وما يصدر عنها، وقرأت بهذا الشأن قول أحدهم:
(لا فرقَ بينَ مقلِّدٍ وبهيمةٍ
تنقادُ بين جنادل ودعاثرِ
والشرُّ ما فيه - فديتك - أسوةٌ
فانظرْ ولا تحفلْ بزلةِ ماهرِ)
ولآخر قوله:
(ما كنت إمَّعةً ولكن همَّة
تأبى الهوانَ وفسحة في المنْجَعِ)