د. خيرية السقاف
هذه النفس في الإنسان أدهشته كثيراً، وتفعل فيه، فهو يعرفها ولا يعرفها..
وهو يتحدث عنها لكنه يجهلها..
نفسُه، من أجلها يشتهي الفرح، يستطعم الثمر، يتلذذ قهوته، يستلهم فكرته، ينشئ عالمه،
يبني حلمه، يختلي بألمه، ينتشي بمظهره،
يُقدم، ويدبر كلما حركته، أو ألهمته، تطلبه فيجيب، تأمره فيمتثل، تمنعه فيمتنع..
يحزم أموره كلما شدَّدت عليه، ويتراخى عنها كلما تخاذلت فيه،
هي الكل المجهول له، لكنها العارفة الوحيدة به..
وهو المتحدث عنها!..
نفسه هي المحرك لحواسه، فتارة ينظر إلى ما ليس له، أو له، ويصغي إلى ما لا يعنيه، أو يعنيه، ويلمس ما يجرحه، أو يسره، ويتذوق مراً، أو شهدا..
ثم هي التي تحرمه مفيداً إن منعته بعنفوانها، وهي التي تزجه في مستنقع إن دفعته بتهورها، وإن غلبته نرديه في المهالك، وإن احتوته تأخذه للمكاسب..
إنها المنقذة له إن حمته، واحتوته، وأدركت به نجع السلامة، وإلا فإنها على عكس ذلك معه..
ويظل الإنسان مع نفسه التي لا يعرفها في بوتقة صراع أسئلة تلوب فيه، ويحار في إجابتها، ويعجز عن بلوغ كنهها الدقيق......
كثيراً ما تلمَّس الإنسان موقع نفسه منه، وبحث عنها فيه؛ فهو يشاء أن يعرفها؛
أهي هلامية في صدره تحت ضلوعه، بين سجف رئتيه، في دمائه، في عروقه، داخل عضلاته،
أو تحتل مراكز عقله؟.. أو تراها تتربع حجرات قلبه؟،
أو ربما هي ذاتها هذه الجوارح فيه، أو تلك المشاعر في وجدانه، أو الأفكار في عقله، أو الخفقات في قلبه؟!..
نفسه هذه أهي كتلة جسده بلحمه، وعظمه، وعضلاته، وشرايينه، وأوردته، وأعصابه؟
أو إنَّ هذا الجسد فقط آلاتها، وأدواتها، وجدرانها، وسقفها، ومفاتيحها، وأبوابها، ونوافذها؟!........
هذه النفس في الإنسان ذاته أدهشته كثيراً، وتفعل فيه..
فهو يعرفها ولا يعرفها..
وهو يتحدث عنها لكنه يجهلها..
ضعيف هذا الإنسان لا يعرف نفسه!..
حتى شكله الخارجي لكيانه المادي «جسده» لو لم يصنِّع المرآة لما عرف شكله!..
ومع هذا يدك الأرض دكا! ...