فضل بن سعد البوعينين
منذ أن أعلن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الحرب على الفساد العام 2015، وتأكيده أن المملكة «لا تقبل فسادًا على أحد، ولا ترضاه على أحد»، و»أن هناك إجماعًا في البلاد على مكافحة الفساد»، وجهود محاربة الفساد لم تتوقف، بدءًا من إنشاء لجنة عليا برئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمكافحة الفساد، وملاحقة المتطاولين على المال العام التي انتهت باستعادة ما يقرب من 400 مليار ريال، مرورًا بإعادة هيكلة منظومة مكافحة الفساد، وتفعيل دورها، وإعطائها الصلاحيات المطلوبة، وانتهاء باستدامة عملها وعمل الأجهزة الرقابية التي لن تتوقف حتى يتم القضاء على الفساد المنظَّم، وكل ما له علاقة به في القطاعات الحكومية.
الانتهاء من مرحلة محاربة الفساد الأولى التي طالت الرؤوس الكبرى شكَّل بداية رحلة المواجهة المستمرة مع الفاسدين ومخرجاتهم القذرة، وليس نهايتها كما يظن البعض؛ وهو ما أثبتته الأحكام الأخيرة التي أوقعتها النيابة العامة على خمسة مسؤولين؛ اتُّهموا في قضايا فساد إداري ومالي، ومعاقبتهم بالسجن 32 عامًا، وغرامات تصل إلى 9 ملايين ريال.
الأكيد أن القضاء على خمسة فاسدين لا يعني القضاء على الفساد في القطاعات الحكومية، ولكنه مؤشر على استدامة جهود هيئة مكافحة الفساد، وتغلغلها في المستويات المختلفة من جهة، وتحريك القضايا القانونية، وجمع الأدلة وتوثيقها، وصدور الأحكام القضائية من جهة أخرى.
كما أن إعادة فتح بعض القضايا المغلقة بعد جمع القرائن والأدلة الجديدة تؤكد ما قاله ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بأنه «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد كائنًا مَن كان»؛ فقضايا الفساد لا تسقط بالتقادم، وهو أمر يجب أن يتنبه له الجميع، وبخاصة الجهات الرقابية المسؤولة عن تتبُّع قضايا الفساد، ومنها القضايا التي تم إغلاقها لتفادي الإدانة وصدور الأحكام.
فمنظومة الفساد أكثر تعقيدًا مما يعتقده البعض، وأكثر تداخلاً وترابطًا في الوقت عينه؛ لذا قد تسعى بعض الجهات إلى إنهاء ملفات الفساد، أو ربما إخفائها قبل أن تقع في يد «هيئة مكافحة الفساد» بتنظيمها وصلاحياتها الجديدة خشية أن يطولها التحقيق لتقصيرها أو شراكتها.
ولعلي أختم بتصريحات معالي الأستاذ مازن بن إبراهيم الكهموس، التي قال فيها: «بعد أن تخلصت البلاد بنسبة كبيرة من الرؤوس الكبيرة الفاسدة أنقل تحذيرًا شديد اللهجة من ولي العهد، إذ وجَّهني بأن المرحلة القادمة ستكون لاستئصال الفساد وسط الموظفين الحكوميين المتوسطين والصغار الفاسدين منهم فقط». وأشدد على أن قاعدة هرم الفساد المكونة من الموظفين الحكوميين المتوسطين والصغار (الفاسدين منهم فقط) هي الأضخم والأكثر انتشارًا، وتبديدًا للمال العام والأراضي الحكومية، وإيذاءً للمواطنين.. وهي من أسباب تردي مخرجات التنمية وضَعْف الخدمات بالرغم من الإنفاق الحكومي السخي.
وما نرجوه من «الهيئة» التنقيب عن قضايا الفساد في الأطراف، المرتبطة بالأراضي الحكومية والشواطئ المنهوبة، والمخالفات الصريحة التي يُغض الطرف عنها مِن بعض الجهات المعنية بها، ومنها البلديات والأمانات ولجان التعديات والمجالس البلدية، إضافة إلى بعض العقود الخدمية الحكومية التي تستنزف أموال الدولة دون أن تحقق أهدافها المرسومة.