د.رفعة مبارك دخيل الله
تسعى العديد من الدول حول العالم إلى مواكبة الانفجار المعرفي الذي يتجلى في مجموعة من الثورات العلمية والتكنولوجية، وكلها يغذى بعضها بعضًا، من خلال وضع خطط مُحكمة، يتبناها مجموعة من الخبراء والباحثين والمهتمين بالتعليم والتعلم، الذين يرى العديد منهم أن التعليم لا يزال دون مستوى التحديات، ولا تزال مخرجاته أضعف من أن تواجه متطلبات الحاضر وتحديات المستقبل.
إنَّ وجود المدرسة بنظامها التقليدي، وعدم وجود استراتيجيات تدريسية تعطي الطلبة أدوارًا حقيقية ومسؤولية ذاتية، يحرم الطلاب من متعة التعلم. لقد طالب العديد من الباحثين وأصحاب النظريات والفلسفة باللامدرسية، واعتبروها ضرورة ثقافية، ومعيار نهضة الأمم، وعماد الحركة التعليمية. ويُعتبر إيفان إليش (Illich Evan) الذي ألّف كتابه المعروف (مجتمع بلا مدارس) Deschooling society)، وهولت جون Holt Jhon 1992 الذي فسَّر كيف يفشل الأطفال في المدارس، من زعماء هذه الفلسفة في القرن الماضي. كما تعتبر د. براكاش Prakash من المؤيدين لهذه الفكرة في العصر الحديث. فهل هذا هو الحل؟
عند كتابتي هذه المقالة وردت لذهني العديد من التساؤلات، هي: عندما يخفق الطلبة فهل نحن المسؤولون كليًّا عن هذا الإخفاق؟ وهل نحن الذين لم نفهمهم، لم نفهم قدراتهم ورغباتهم، وما يمرون به، ولم نهيئ لهم بيئة تعلم تناسب هذه القدرات؟ وهل يجب علينا أن نبحث عن الأسباب، ونعيد النظر في الطرق والوسائل التي نتبعها؟
الجواب - من وجهة نظري - أن الحلول لما يحدث في التعليم هو التعمق في علم أصول التدريس وطرائقه ونظرياته، وسياسة صنع المناهج الدراسية، وتجويد نوعية التعليم المقدم من خلال الاستفادة من نتائج الأبحاث، والنظر إليها بعين الاهتمام، ومحاذاة التقويم لكل ما يحدث داخل الميدان التعليمي.
إن التقويم هو بمنزلة الموجِّه لدفة التعليم فيما يخص التعديل أو الحذف أو الإضافة؛ لذا لا بد عند وضع أي منهج أو برنامج أو مشروع أو اتخاذ قرار أن يرافقه مقومون مختصون، يشرفون عليه منذ نشأته؛ فيشخصون ويدرسون استعدادات الطلبة، ويتعرفون على مهاراتهم الأساسية وقدراتهم.
كما أنه لا بد أن يكون هناك تقويم بنائي، يبدأ منذ لحظة تطبيق المنهج أو البرنامج أو المشروع، وينتهي بنهايته، يتم التعرف من خلاله على نسبة الإتقان، وتحديد مجموعة من المهارات والأفكار، ومعالجة أي خلل.
كما أن التقويم لا بد أن يشمل ما تم تحقيقه، ونتائج المشروع أو المنهج أو البرنامج من خلال تقويم ختامي، يعطينا القرار الحاسم لما قمنا به، ويساعدنا في إصدار القرار، إما بالاستمرار فيه، أو التعديل أو الحذف.
ليس هذا تحيزًا للبحوث التقويمية بأساليبها وطرقها وأنواعها، إنما هو السبيل لتحديد المشكلات التي يمر بها التعليم والتعلم.
إن البحوث العلمية بكل أنواعها يجب أن ينظر في نتائجها، ولا تبقى فقط حبيسة الأدراج.. فإذا كان هناك قرار فلا بد أن يكون مبنيًّا على نتائج بحوث.
إن ما يمر به تعليمنا في وقتنا الراهن، وكثرة القرارات والمشاريع والبرامج، يدل على إحساس من الجميع بأهمية العملية التعليمية، ودورها في بناء الأمة ونهضتها، ويدل على صحوة فكرية علمية.. ولكن هذه الصحوة لا بد أن تُبنى على نتائج علمية، تعطينا القرار المناسب لتجويد العمل التعليمي.