د. حسن بن فهد الهويمل
عندما أرى وُجُوهاً باسرة, فاقرة, وألسنة حداداً سالقة, وأشراراً يرقصون على جثث المغدورين من أبناء جلدتهم, أتذكر قوله تعالى: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}.
إعلاميو (قنوات الضرار), يبيعون قدراتهم البلاغية, وإمكانياتهم المعرفية في سوق النخاسة, ويقبضون ثمن شهامتهم, وكرامتهم دراهم معدودات. ومع هذا الإسفاف يَدَّعون أنهم شرفاء.
إنها محنة التناقضات, وفي أيامها يرى النَّكدون حَسَناً ما ليس بالحسن: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}. تلك إرادة الله: {يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء}.
قد يُصْدم الطيبون بهذه الظواهر المناقضة للفطرة الإنسانية السليمة, ويفاجأ الشرفاء بهذه السلوكيات الشاذة. ولكن المجربين يروِّضون أنفسهم, ويعرفون أن كل مقتدر على القول, أو الفعل من جند الله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}. {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ}.
فما من ظالم جائر, أو عادل مُحْسن, أو مُسِيء متهاون, إلا ويعمل بتدبير الله, وإرادته الكونية: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ}.
غير أن السعيد يتمنى أن يستعمله الله فيما يرضيه, ويحمد الله على أنه يكدح كدحاً, ثم يلاقي الله به, فيضاعف له الأجر:
{لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ}.
أكبر نعمة, وأهمها أن تولد في بلد إسلامي سني, مستقيم على المأمور, وفق مراد الآمر, ومن أبوين مسلمين فتنشأ على ذلك. ثم تكون من جند الله الذي يعمل فيما يرضيه.
علماء, وزعماء, وكبار, وأثرياء يحاربون الله, وهو خالقهم, ومعلمهم, ورازقهم, ومخولهم. ولو شاء ربك لهداهم, واستعملهم فيما يحييهم.
تلك هي الحياة الدنيا: امتحان, وابتلاء, وإنعام, و(كل ميسَّر لما خُلق له).
مرتزقة يأتيهم رزقهم رغداً طيباً. وآخرون يأتيهم رزقهم نكداً, وبثمن باهظ على حساب كرامتهم من دول اشترت قدراتهم, وجندتهم للإفساد بين المرء, وزوجه.
مُنحوا جنسيات غربية أمَّنت لهم, ولأسرهم الغذاء, والدواء, والسكن, وحمتهم من المطاردات القانونية. ورضوا بأن يكونوا عملاء يفترون الكذب, ويبررون الظلم, ويشيعون الرذيلة الأخلاقية. إنهم قدوة سيئة: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُون}.
هؤلاء المرتزقة يعرفون أن عمالتهم مكشوفة. وإلا كيف يُسوِّغون لأنفسهم خدمة دولة مارقة, تناقض قومهم: قومية, وعقيدة.
(إيران) المجندة من (الغرب), لتدمير: (السنة) و(القومية) وتمكين الطائفية في (العراق, ولبنان,وسوريا, واليمن). هي رأس الدول المارقة.
ألا يظن أولئك أن مساندة المجوس الرافضة تدمير لإسلامهم, وقوميتهم, وتمكين للصهيونية, والصفوية.
ألا يعرف أولئك أن (خرائط الطريق) التي أَحْكَم صنعها من يسمي نفسه بـ(العالم الأول), ومن يحلم بعض مفكريه بـ(نهاية التاريخ, والإنسان الأخير).
لقد غرر الغرب بالسذج, والمغفلين, وجنَّد المأجورين من أبنائه لممارسة التضليل بأبشع صوره, وأكذب دعاواه.
كتاب الفيلسوف السياسي الأمريكي (فرنسيس فوكوياما): (نهاية التاريخ) الذي أحيط بهالة من الضجيج, وروض به لـ(العولمة) بمفهومها: (الديموقراطي الليبرالي الغربي) يشكل الخطوة الثانية في سبيل مسخ الهويات.
الخطوة الأولى تمكين (التشيع) بمفهومه المجوسي, و(التصوف) بمفهومه الخرافي القبوري.
والخطوة الثانية (العولمة) بمفهومها (الفوكويامي). وقد وطَّأ الأكناف لهذين المشروعين ما عرف بـ(خارطة الطريق) = (الشرق الأوسط الجديد).
وجيء بـ(القاعدة), و(داعش), و(الربيع العربي). لإذهال كل مرضعة عمَّا أرضعت, وفرض أقذر مشروع بالفوضى الهدَّامة.
وأزلام الإعلام بأصواتهم النكرة كأصوات الحمير, تبارك تلك الخطوات.
دنيا دنيئة, لا تستحق كل هذا الاهتمام, والتفاني: (ومراد النفوس أهون...) إنها لهم بالمرصاد:
{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}.
لا أتصور عاقلاً, مجرباً يقبل بتلك الأوضاع, التي آلت إليها أمتنا العربية, مصدر الإسلام, والفتوحات, ومسرح البطولات, ومأرز التراث.
لا أحد يجهل العملاء, والمأجورين الذين وطؤوا الأكناف للأعداء التاريخيين من: صليبية, وصفوية, وصهيونية.
كل الذين ينفقون جهودهم, وأموالهم, وقدراتهم من دول, وطوائف, وأفراد على جبهات الجهاد بـ(الكلمة) أعداء للأمة, ولأهل السنة, والجماعة, ولأرض المقدسات, والعروبة, والإسلام.
العدو لا يتوقّع منه إلا الشر, وبخاصة من عاداك في الدين. وليست الغرابة في كيد الأعداء. الغرابة في عداوة من يشاركك: القومية, والإسلام, والمصير. ثم يمارس ضدك الكذب, والمكر, ويساند الأعداء بالقول, والفعل. ولا سيما من يدّعون القومية من عرب الشتات الذين أوجفوا على بلاد الحرمين بالخيل, والرجل. وحشدوا جهودهم, وإمكانياتهم, لتوهين عزمات (أهل السنة والجماعة), وهم يلتقون معها في تاريخها, وعقيدتها, وعروبتها.