خالد بن حمد المالك
أرجو ألا يكون سعد الحريري قد أخذ تهديدات حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني على محمل الجد، فانساق وراء رغبة نصر الله وبري وعون وباسيل لترشيح محمد الصفدي رئيساً للحكومة اللبنانية القادمة، وسط إجماع شعبي على رفض هذا الاختيار، وعدم القبول بأي حكومة يتم تشكيلها من دون أن تكون من الكفاءات والمختصين، وأن يكون جميع عناصرها من غير السياسيين التقليديين، ومن غير المنتمين للأحزاب اللبنانية، وهو ما استجاب له الصفدي فرفض سريعاً اختياره رئيسًا للحكومة، بل وشكك في نجاح أي حكومة في ظل الوضع السائد في لبنان بعد أن أدرك أن الحشود الشعبية الكبيرة ترفض أي تصرف أو إجراء لا يلبي مطالبها، وأنها تنادي بالتغيير الشامل، ولا تقبل بغير ذلك.
* *
تُرى ماذا سيفعل محمد الصفدي فيما لو قبل بهذا الترشيح، ونجح المجتمعون في توريطه فعلاً في تشكيل الوزارة، رغم الشكوك التي كانت تحوم حول ذلك قبل أن يقدم اعتذاره، فقد كان يسير بين ألغام، ومعارضات، واحتجاجات، وحشود من المنتفضين الذين لا تقتصر طلباتهم على تشكيل الحكومة واختيار الرئيس المناسب لها، وإنما يجب أن تكون حكومة كفاءات، ومختصين، ومن خارج الأحزاب، وأن يصاحبها انتخابات مبكرة لمجلس النواب، وإعادة النظر في وضع رئيس البلاد، فيما سيكون الصفدي - لو قبل الترشيح - رئيس حكومة تلاحقه الاتهامات، والشائعات، وعدم استقرار في البلاد.
* *
لا شك أن حزب الله وحركة أمل ومعهما الرئيس عون وصهره جبران باسيل، كانت نيتهم ولا تزال أن يفصلوا الحكومة القادمة بمواصفاتهم، وبما يلبي مصالحهم، بهدف إبقاء نفوذهم أقوى مما كان عليه، لكن هل هذه الحشود الكبيرة، والأعداد الثائرة من المواطنين، سوف تسمح لكائنٍ من كان أن يتلاعب بمصالحها، ويتجاهل مطالبها، وينفذ انقلاباً على ثورتها، من خلال تشكيل حكومة شكلية، تلبي أوامر بعض الأحزاب والرئيس، دون النظر إلى مدى توافقها مع أهداف الثورة، وتطلعات المواطنين، بينما لا يزال الثوار يتصدون من خلال تصعيد الانتفاضة لكل عمل أو إجراء يفهم منه أنه يكرِّس استمرار هيمنة حزب الله على السلطة، ومحاولة امتصاص غضب الشارع.
* *
في كل الأحوال، علينا أن نتذكر، ولا ننسى، أن انتفاضة اللبنانيين لا تزال في بدايتها، رغم قوة زخمها، وسرعة تفاعلها، وقوة تأثيرها، وأنها تعتمد في تصعيدها على ركائز، ومعطيات، ولها أسبابها، ولا يمكن إطفاء شعلة هذا الحماس بعمليات جراحية تجميلية صغيرة لمرض عضال عانى منه لبنان طويلاً، وآن للشعب أن يصحح هذا الوضع، وأن يمنع التدخل الإيراني أولاً، ويقوّض القوة لدى عملاء إيران من اللبنانيين ثانياً، وأن يمد جسوراً من التعاون مع الدول العربية ثالثاً، وأن يتم اختيار الرئاسات الثلاث وأعضاء كل من الحكومة ومجلس النواب من المخلصين الأكفاء الذين يحبون لبنان بقدر كرههم لإيران والمرجعية الدينية في قم رابعاً وأخيراً.
* *
وبهذا التوجه، وبهذه المبادئ والثوابت، سوف يتم القضاء على الفساد، والمحسوبية، وإنهاء تأثير الأحزاب السلبي على مسيرة البلاد، وتحسين الحالة المعيشية لكل المواطنين، ومعالجة الوضع الاقتصادي المتردي، ومنع التدخل الإيراني، وإيجاد فرص عمل لأبناء الشعب، واسترداد الأموال المنهوبة، وتنظيم انتخابات يحكمها القانون، ويفوز بها الأكفأ والمختص، والأصلح، ومن تهمه مصلحة لبنان لا مصلحة عدو لبنان.
* *
وحسنًا إذ أقدم الوزير محمد الصفدي سريعاً على سحب ترشيحه لرئاسة الوزارة، فقد أدرك أنها عملية توريط، وتجميل من لا يجمل في وزارة قادمة، تأتمر بما تمليه إيران عليها من خلال عملائها في لبنان، وبانسحاب الصفدي تكون لعبة نصر الله مدعومًا من عون وباسيل وبري قد فشلت، وبذلك تأكد للجميع أن من يقرِّر اختيار رئيس الحكومة والوزراء والنواب ابتداءً من الآن هو هدير الشارع، وثورة المهمشين من المواطنين، لا هؤلاء الذين يتآمرون على لبنان.