د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
واضعو السياسات العالمية يستكشفون في السعودية أفق الاقتصاد بالعقد المقبل، بعد مضي 10 سنوات على تعرض العالم للأزمة المالية في عام 2008، والبحث عن تعزيز النمو وسط حالة من عدم اليقين المتزايد.
هناك إعادة لتشكيل العالم التجاري للعقد القادم، فهناك حقبة جديدة من الطموح في انتهاز العقلية الجديدة، وتحديد اللحظة الحالية من الدورة الاقتصادية التقليدية، لكن بالنظر إلى المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية الحالية هناك زيادة من عدم اليقين عن آفاق النمو في جميع أنحاء العالم، وهو ما يجعل المستثمرين يبحثون عن العثور عن الفرص الواعدة.
لذلك يبحث المستثمرون عن التوازن حتى يتمكنوا من البقاء والازدهار في عالم متعدد الأقطاب التي تزداد فيه المراكز العالمية الجديدة للأعمال والابتكار والاستثمار والشركات الناشئة والتكنولوجيات والابتكار، والنماذج الاقتصادية العالمية الناشئة في أسواق جديدة، وغالبًا ما لا يمكن التنبؤ بها، خصوصًا أن المشهد الجديد متعدد الأقطاب تتغير فيه طبيعة الابتكار وريادة الأعمال، إضافة إلى جغرافية العرض والطلب التي تحدد الفرص الجديدة في ظل التحديات الحالية.
وحيث تمثل صناديق الثروة السيادية العالمية نحو 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العالمي، يمكنه إعادة تشكيل الاستثمارات العالمية على المدى الطويل، وهو بمنزلة قوة رئيسة في الاستثمار العالمي ورأس المال الاستثماري، والتي ستتحول من تركيزها على الصناعات القديمة والسندات الحكومية إلى الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا والأسهم الخاصة، والتي تعمل على تشكيل الأسواق العالمية بشكل متزايد والتي ستركز عند تشكيلها للمشهد العالمي للاستثمار على طرق الشراكة والاستثمار المشترك.
فانطلاق أكبر مبادرة سعودية في الرياض في 29-10-2019 لرسم ملامح مستقبل الاستثمار ليس فقط في السعودية بل العالمي، وهذه المبادرة تأتي استجابة لتوجهات الاقتصاد العالمي التي ينظمها صندوق الاستثمارات العامة السعودي وسط اهتمام حكومي ودولي رفيع مع وجود قيادات وكبار مسؤولي دول وكبريات الشركات العالمية الذين يسهمون في بحث ومناقشة ملفات ومحاور ترسم ملامح مستقبل الاستثمار العالمي.
وهذا التجمع أتى استجابة لما تمر به الساحة الاستثمارية العالمية من تغييرات جذرية في السنوات الأخيرة تكمن في معدلات الفائدة المنخفضة التي حثت المستثمرين على البحث عن مصادر جديدة لجني العوائد والأرباح، إلى جانب التغيرات الجذرية المتمثلة في التطورات التقنية وبرامج الإصلاح الحكومية والابتكارات البشرية التي خلقت فرصًا جديدة بوتيرة متسارعة لم يشهدها العالم من قبل، تبدأ من مكافحة التغير المناخي إلى إدارة الموارد العالمية المحدودة بصورة أكثر اعتدالاً وجدوى، ومبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض ركزت على ثلاثة محاور تتمثل في مستقبل مستدام، والتقنية لمصلحة الجميع، ومجتمع متقدم.
أثبتت السعودية أنها المنصة الرئيسة منذ عام 2017 لتشجيع التواصل العالمي بين المستثمرين والمبتكرين والحكومات، إضافة إلى قادة القطاعات الاقتصادية، حيث شارك أكثر من 300 شخصية عالمية من 30 دولة بحضور رئيسي وزراء الهند والبرازيل، وهما أكبر دولتان ناشئتان بجانب رؤساء أربع دول أفريقية، بجانب وزير الخزانة الأمريكي الذي يقود فريقًا تفاوضيًا كبيرًا، وكذلك رؤساء المصارف الكبيرة في العالم.
شكل مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» إلى افتتاح السعودية مرحلة جديدة على وقع تقلبات جيوسياسية واضطرابات متناثرة في المنطقة ومحيطها، والذي أفشل حملة شرسة قادتها وسائل إعلام المحور القطري التركي ومنصات الإخوان الإلكترونية استهدفت الإساءة للسعودية والتشويش على دورها كلاعب إقليمي وازن يدفع لتعزيز الاستقرار في المنطقة والتصدي للأنشطة الإيرانية المزعزعة للأمن الإقليمي والدولي والمهددة لأمن الملاحة البحرية في المضايق التي تعتبر ممرات حيوية للتجارة العالمية ولإمدادات النفط للعالم.
هذا المؤتمر يعد تحولاً اقتصاديًا، حيث يبرز أثر إصلاحات تحرير أكبر اقتصاد عربي، حيث قال كارلوس هرنانديز رئيس الخدمات المصرفية العالمية لدى جيه بي مورغان أن السعودية تعمل جميع الأشياء الصحيحة صوب أن تصبح السعودية المركز الرئيس في المنطقة، ويعد نصرًا كبيرًا للأمير محمد بن سلمان الذي يقود الخطة الإصلاحية التي أطلقها في عام 2016.