خالد بن حمد المالك
ظلت إيران منذ استيلاء الخميني على السلطة عام 1979م تلعب بالنار في كل مواقع التوتر في دول المنطقة، وعلى حدود الدول المشتركة معها، وكان - ولا يزال - هذا السلوك المشين يكلفها الكثير من المال على حساب قوت الشعب، ومتطلباته الحياتية، دون إعطاء اعتبار للتململ والضيق وعدم الرضا الشعبي عن هذه السياسة الخرقاء للحكومة، أو التفكير بأن لهذا الليل الطويل المظلم سنواته ووقته وظروفه، ثم ينقلب السحر على الساحر.
* *
وها نحن اليوم نشم بداية انتفاضة شعبية كبيرة، تمتد إلى عدد من المدن الإيرانية، وتتوسع من حين لآخر؛ لتشمل مدنًا أخرى، بينما يمارس الأمن التصدي للمواطنين العزل بالأسلحة والقوة المفرطة، كما فعل من قبل في انتفاضات سابقة؛ فقتل مَن قتل، وأصاب مَن أصاب، وبأعداد هائلة، حتى أخمد الثورات، وقضى على الانتفاضات، وأودع عددًا من المتظاهرين المعتقلات والسجون.
* *
واليوم يكرر (السيناريو) نفسه، ويستخدم النار والحديد ضد المتظاهرين، ويمارس معهم العنف رفضًا لأي مظاهر تطالب بالتغيير، حتى ولو كانت سلمية، كما هي الانتفاضة الحالية في المدن الإيرانية؛ ما يعني أننا أمام حمام دم جديد، وشوارع تسيل بدماء الأحرار من المواطنين الإيرانيين الذين لا نتوقع أن يلتزموا الصمت أمام هذا النظام الإيراني الفاسد.
* *
نظام الملالي لا يملك برنامجًا، أو خططًا، أو تصورًا لبناء دولة قادرة على استيعاب المواطنين، واحتوائهم، وتحقيق متطلباتهم، طالما أن مشروع هذا النظام البغيض لا يتعدى التآمر على الجيران، وضرب الاستقرار في الدول، ومد التشيُّع إلى مناطق سُنية، أو إلى أماكن أخرى غير مسلمة. وهو مشروع صفوي بامتياز، لا يمكن أن يكون بديلاً عن توفير لقمة العيش، والحرية، وحقوق الإنسان لكل المواطنين.
* *
إننا إذ نتابع ما يجري في إيران فإننا نبارك للشعب الإيراني المسلم شجاعته في مواجهة الجبروت والقمع والتسلط التي يتسم بها النظام الفارسي العنصري، ونتابع بارتياح المحاولة الجديدة لأحرار إيران كي يتخلصوا من آثار أربعين عامًا خلت، وقد أعادت بلادهم متخلفة عن غيرها من دول المنطقة إلى الوراء سنوات كثيرة، وجعلتهم في عزلة عن العالم، بعد أن أصبحت دولتهم منبوذة على مستوى دول العالم؛ وهو ما حرَّك هذه الانتفاضة، ونتمنى أنها تملك القدرة والأسباب للاستمرار.
* *
لقد اعتمد النظام منذ سقوط الشاه على الترويج إعلاميًّا للعنتريات، والقوة، والاستعداد لمناكفة أي دولة تعادي النظام، والتركيز على الصناعات العسكرية، ضمن إظهار القوة - ولو شكليًّا - في سياسة إيران ما بعد نظام الشاه. لكن نظام الملالي لم يحصد غير الشوك، ولم يجنِ من برنامجه وسياساته غير الفشل.. وها هي إيران تتآكل من الداخل بفضل الحصار، وتردي الاقتصاد، وغياب أي حلول لمواجهة مشاكلها، بينما يثور الشعب، ويتصدى بصدور عارية للقتلة في الجيش والأمن لتحرير البلاد من هذه الطغمة الفاسدة التي تحكم البلاد بالحديد والنار.