د. خيرية السقاف
سيبقى الإنسان فوق الأرض في حالة ما، لها وجهان نقيضان،
كلاهما يتجاذبانه، فمرة في استقرار، وأخرى في اضطراب، ومرة في نعيم وأخرى في شقاء،
فهو إن فرح قد يشوبه حزن، وإن كسب فربما تعتريه خسارة،
وإن صح قد يمرض، وإن استغنى فقد يحتاج،
وهو بين عنده، وليس لديه، بين له، وليس له..
الإنسان بين كفاية، ونقص..
بين جوع وشبع، بين غنى، وفقر،
حتى في الأخلاق، وفي الأفكار، وفي المشاعر، ففي المواقف هو بين نقيضين..
الإنسان لا تبقى له حالة ثابتة..
غير أن كل نقيض قابل للاستبدال، موضع العناية من المرء أو الإهمال..
الجاهل يبدد جهله بالتعلّم، والمريض بالتشافي، والجائع بالأكل، والفقير بالكد، وسيئ الخلق بالدربة، والحائر بالوعي..
وتبقى حالات طارئة ليس بيده أمر استبدالها إلا بعضد آخر، وسند خارجي، ومد ليس منه..
فالمريض لن يشفى دون طبيب ودواء، والجاهل لن يعرف إلا بمعلم وكتاب، والكادح لن ينال دون حقل ومضمون..
إلا المضطر الذي تعوزه المنافذ، وتعجزه المقدرات وهي في الغالب خارجة عنه، مكفولة بمن يعين، وغالباً ما تكون حالة الحاجة للقوت، وسداد الدين، وإقالة العثرة..
لذا كان من ركائز العقيدة أن يحب المرء للآخر ما يحب لنفسه، وهذا الحب هو طحين عجينة التكافل بين الناس، بكل وسائل، وسبل، وإمكانات الأريحية الفردية، أو النظم الاجتماعية ومنها؛ الصدقة، الزكاة، الإعانة، الإهداء، والشراكة، بقلب يغمر بالإنسانية للآخر في حالته حين تكون الإنسانية في أرقى، وأنقى حالاتها، وصفاتها، ولآلياتها..
كثير من الناس يعيشون الحالة النقيضة للموسرين بلا رهق، للأصحاء بلا مرض، للأقوياء بلا احتياج، للساكنين في راحة، للساعين بقدرة، للمكتسبين بلا خسارة،
هؤلاء المتعثرون جوارهم، الخاسرون بينهم، المحتاجون إليهم بدين أثقل الحمل على كتوفهم، أو بمرض عجزوا عن تكاليف علاجه، الذين لا حيلة لهم، الكريمون المتعثرون المضطرون للسؤال، وقد أخذوا بوسائل التواصل سبيلاً لبسط الحاجة، وتكاثروا، ويتكاثرون، هل تقوم مراكز الأحياء بحصرهم، وتنقية طلباتهم من المتسوِّلين بلا حاجة، ومن ثم العمل على تبديد كرب الصادقين منهم بوسائل مدروسة، واتفاقات منظمة تجمع شمل جميع الجهود في مواجهة احتياجاتهم، تعاوناً مع الجمعيات الخيرية، والمبادرات الفردية، بل جمعيات الأحياء ذاتها التي تسعى في أمور شبيهة، ولكن تخصص مبادرة مستقلة أسوة بمبادرة تسديد ديون المعسرين من السجناء عن طريق منصة «ابشر»، تكون المرجع لأي متعثر مادياً في الحي بحيث لا يلجأ لأي وسيلة أخرى لمواجهة عثراته إلا مركز الحي؟!..
فالإنسان الذي بين حالتين لن ينجو من ظلمة أسودها إلا بإنسان آخر يعيش في نقيضها.
فكيف إن تحمّلت «مراكز الأحياء» هذه المهمة الإنسانية بإقالة عثرات الساكنين في كل حي، بشراكة جميع سكان الحي؟..