خالد بن حمد المالك
لا يزال لبنان مقيَّدًا وسجينًا بما تحضِّره له القوى النافذة في الأحزاب والحكومة ومجلس النواب، بمباركة من الرئيس اللبناني ميشيل عون، دون النظر للوضع المأساوي الذي يمر به لبنان، أو إعطاء الاعتبار لصوت الشارع، ومطالب المواطنين، أو التفكير بما هو عليه لبنان من ضياع، واتجاه نحو الأسوأ والأخطر في المستقبل القريب.
* *
لقد رفضت انتفاضة الشعب كل الطروحات المهدِّئة التي يتبناها الرئيس اللبناني بإملاءات من صهره رئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية جبران باسيل، وأمين حزب الله حسن نصر الله، ورئيس كتلة أمل رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعد أن تبيَّن للغاضبين أن هؤلاء لا تهمهم مصلحة لبنان وشعبه، وأن كل همهم أن يبقى الوضع على ما هو عليه، بفساده، وسوء إدارته، وتدهور اقتصاده، وزرع الطائفية والمذهبية في كل شيء بين المواطنين؛ لأنهم في هذا مستفيدون، وأن لا مكان لهم مع أي إصلاح حقيقي يمس جسم الدولة.
* *
ومن المؤسف حقًّا أن تسبق الاستشارات النيابية لتسمية رئيس الحكومة القادم - كما هو معتاد - للتوافق عليه، مشاورات من نوع آخر بين سعد الحريري رئيس الحكومة المستقيل وممثلين من حزبي الله وأمل؛ ليخرج اجتماعهم باتفاق على اختيار محمد الصفدي رئيسًا للحكومة، دون الاتفاق حتى على تحرير وإنقاذ التشكيل الحكومي القادم من هيمنة الأحزاب، وتحديدًا من حزب الله الذي يملك تسعة عشر صوتًا في الحكومة المستقيلة، إلى جانب صهر الرئيس عون الذي يملك حق استخدام (الفيتو) ضد أي قرار لا يوافق عليه، ويجد مَن يؤيده من حزبي الله وأمل، بما جعل من الحريري ومَن معه من الوزراء تكملة عدد ليس إلا في حكومة يقودها حزب الله، وبتأييد من الرئيس.
* *
لقد ظهر الرئيس عون وهو يشخّص الحالة اللبنانية، وخطوات الخروج من الأزمة بأقل الأضرار بحسب رأيه، منهكًا، وعصبيًّا، ومنفعلاً، وغير قادر على إيجاد حلول مقنعة، بل إنه تحدَّث للمواطنين باستخفاف، واحتقار، وهمّش أي دور لهم في معالجة الأزمة التي يمرُّ بها لبنان، مؤكدًا أن من لا يعجبه كلامه من المتظاهرين، ولا يثق بأن في لبنان (أوادم)، فعليه أن يهاجر إلى أي بلاد يراها، في منطق غريب، لا يصدر من إنسان لا يملك أي صلاحيات، فكيف به يصدر من رئيس يقول إنه رئيس لكل اللبنانيين؟!
* *
حسنًا، هل يستطيع الرئيس اللبناني أن يوقف هدير الشارع، ويمنع المتظاهرين من التظاهر، ويحول دون استمرار الانتفاضة، ويشكِّل حكومة، ويختار رئيسًا لها، دون أن يستجيب لرغبة الثورة العارمة، ولا يلبي مطالب المتظاهرين؟ بل هل الرئيس عون الآن في موقف أقوى من هؤلاء المتظاهرين العزل؟ وهل من مبادرات لديه تنقذ لبنان من أزمته الاقتصادية الطاحنة، ومن البطالة والفقر اللذين يعاني منهما كل اللبنانيين؟ وهل سيجد استجابة من دول مجلس التعاون لدعم اقتصاد لبنان كما كان يحدث من قبل، وهو يلوح باستمرار بعدم استعداده للابتعاد عن إملاءات حزب الله، أو إيقاف التعاون والتنسيق معه وهو الذي دمر العلاقة مع هذه الدول، وهل يملك القدرة لوضع حد لنزوات وتهور واندفاع صهره جبران باسيل الذي دمَّر ما تبقى من علاقة بين لبنان وهذه الدول، بمواقفه وتصريحاته العدوانية بوصفه رئيس حزب ووزيرًا لخارجية لبنان؟!
* *
الرئيس اللبناني ميشيل عون هو الآن على المحك، وعليه أن يتذكر أن إيران أو سوريا أو حزب الله، وبقية حلفائه، جميعهم من المتآمرين على لبنان، ولن يكونوا في وضع مَن يحمي استمراره رئيسًا للبنان أمام انتفاضة الشعب، طالما استمر هدير الشارع، وواصل المواطنون انتفاضتهم، ورفضوا كل حلول التهدئة والتسكين والإلهاء عن الهدف الأسمى والأهم، وهو أن يبقى لبنان حرًّا وسيدًا، وجزءًا من عالمه العربي، بعيدًا عن التدخل الإيراني، وتسلُّط حزب الله على الوضع في البلاد.
* *
لقد رفض المتظاهرون ترشيح الصفدي رئيسًا للحكومة القادمة، بما في ذلك المتظاهرون في طرابلس التي ينتمي الصفدي لها، باحتشادهم أمام منزله ومكتبه ضمن حركاتهم الاحتجاجية، وأصروا - كما بقية مدن لبنان - على التصعيد السلمي، ما لم تشكَّل حكومة (تكنوقراط)، تكون حكومة اختصاصيين، لا حكومة سياسيين، بل إن الانتفاضة ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك مطالبة بانتخابات نيابية مبكرة، وتغيير شامل، وانتخابات رئاسية أيضًا، معتبرة أنه بدون ذلك فإن مطالب الشعب حتى بحدها الأدنى لم تتحقق بعد.