أستأذنك سيدي القارئ في العودة لأول لقاء لي مع سعادة أستاذي الدكتور عبد الله كان ذلك عندما التحقت ببرنامج الماجستير ولأني لم أشرف بسعادته مسبقاً فأنا لا أعرفه وتحدث زملائي عن رجل صارم وحازم وأنا لا أصدق كل ما أسمع لذا سمحت لنفسي بالوقت الكافي للحكم على أستاذي.
مضت الأيام وشرفت برجل لديه في كل شيء خطة - أنا أقول ما أعني في كل شيء خطة - وهذه الخطة تتطلب من طلابه الإلمام بأساسيات محددة لتزعم أنك تجاوزت الدرس. وهكذا كان فهذا الرجل الذي زعموا أنه صارم وحازم حققت معه درجة عالية ولله الحمد ثم الشكر له. بقيت متواصلاً معه حتى الساعة وفي كل مرة أتعلم درساً جديداً في الثقة والتعامل والعطاء.
الدكتور عبد الله ارتبط اسمه بأدب الأندلس ولذا تجد كثيراً ممن يكتب عنه يستدعي هذا وأقول إن في هذا ظلماً لسيدي وأستاذي فهو وإن كانت مؤلفاته حول أدب الأندلس فهو موسوعة متنقلة ولن يحكم عليك خير من طالب تتلمذ على يديك فالرجل إن ناقشته في مختلف العصور وجدت جواباً مختلفاً عمّا تسمعه من غيره وهذا يعني - حسب وعي تلميذه- ثقافة مستقلة ليست تبعية تكرر ما تقرأ وتعيد ما تسمع.
ولو علمت - سيدي القارئ- شيئاً من قصص طفولته كما حكاها لي لوقفت احتراماً لهذا الرجل الإنسان وبقيت تتأمل لساعات محاولا الفهم: كيف لرجل أن يحتمل كل هذا ثم يصر وينجح وينجز حتى يكون مرجعاً أول لا ينافسه أحد. إذا تجاوزت الأستاذ والبحاثة والمرجع للإنسان الذي عرفت فهو يمثّل الإنسان في أجمل صور حضوره فقد عرفته حيياً متواضعاً هادئاً وحليماً جداً وفوق هذا فهو كريم عندما تلتقيه تخجل من أدبه الجم وخلقه الرفيع فلا تملك إلا أن تخفض رأسك أمامه وتقف بأدب كأنما تقف أما أبيك. عبد الله بن ثقفان ليس مجرد أكاديمي وليس مجرد مثقف إنه عبد الله الإنسان. عندما نفهم معنى أن تصبح إنساناً.
** **
- عبدالمحسن الحقيل