د. صالح بن سعد اللحيدان
يستعمل بعض العلماء والذين يحاضرون الدروس العلمية أو المداخلات.. يستعمل كثير منهم (الوقف) على آخر الكلمة بالتسكين، ذلك إذا أشكل عليه الوقف أو أنه لا يدرك إعراب المنطوق، وقد قيل: (سكن تسلم)
وصحيح القول إن التسكين مخرج من الحرج ما لم يتكرر، فإن تكرر من العالم أو المثقف أو المفتي فإنه قد يفطن إليه بعدم فهم حقيقة أوجه الإعراب.
وهذا عيب ظاهر لأنه ليس ثمة سبب يوجب الوقف كما الضرورة مثلاً.
ولهذا كان المسلمون يحرصون على تمام النطق والسلامة من الخلل حتى أنهم قد يضطرون إلى تغيير القافية في البيت من الشعر حتى يستقيم المراد. وسوف أبيِّن شيئاً ذا بال عن هذا الأمر بعد أن رأيت كثرته واقعاً في هذا الحين، لقلة نظر أصول اللغة وأساسيات النحو وصور البلاغة.
ومن هنا أذكر ما يلي:
إذا تم الوقف في الكلمة المسرودة على: الهاء فإن كانت (هاء الضمير) من متكلم: (زرته) أو: (قرأته).
أو كانت مكسورة أعني (الهاء)، ففي هاتين الحالتين تحذف الصلة الرابطة ويتم الوقف على: الهاء.
ومثال المكسورة: (قمت به) أو: (هديت به) بضم الهاء الأولى
وحذف الصلة أراه لازماً، إذ لابد من هذا في سياق اللغة وأصول إعراب طراً.
ومن ذلك إذا كان العلم بعامة منوناً، فإن جاء وورد التنوين بواضحًا من الأمر بعد فتحه فهنا فإن السماع يوجب الإبدال إبدال تنوين ألفاً، وهذا مثل: (صاحبت خالداً)، وقس عليه وهو أمر ظاهر لمن تأمله بوافر من فهم سديد، وهذا يخص ما يكون في سياق إعراب الجمل التامة.
ويرد الوقف وهو قليل فيما يرد لغير الإعراب، ومن ذلك ما ورد (لسان المسلمين) ما يكون الوقف فيه على المنقوص، فإن كان في حال المفعول به أعني في سياق الجملة فإن البدل وارد سماعاً وأصلاً، وذلك نحو: (سمعت منادياً) ونحو: (سرت ماشياً)
وقال ابن عقيل وابن هشام وسواهما ورأيته في الشعر قد ورد إن لم يكن المنقوص منصوباً كذا قاله في (شرحه على الألفيه)، فالمختار الوقف عليه بالحذف إلا أن يكون محذوف العين أو الفاء ج2- 510 -511- 512-513.
وبهذا يتبين أنه لا وقف إلا بحسب المقتضى اللازم له، إذ الوقف دون الموجب له فهذا عور في الكلام ونقص في الفهم.
ومن ذلك مما يرد فيه الوقف ولا ضير وإن كان هناك من لم ير هذا نحو: (رأيت الرجل) فقط هكذا.
ومما ورد في (اللسان) بصفة عامة وهو مسموع الوقف على الاسم في آخره هاء الأصل، ورمز (ابن مالك) إلى غير ذلك نحو (رأيت عاتكه)، فهنا يتم الوقف ما لم يتبع الجملة كلام آخر، نحو (رأيت عاتكة تقرأ)، فيتم هنا تحريك الفاء على الفتحة المنطوقة قولاً واحداً.
والمعلوم من حال الوقف بالضرورة أنه بتسكين آخر الحروف في الكلمة أو في الجملة عند الموجب لذلك.
ومما يحسن فيه (الوقف) أن المنقوص الذي لم ينون إن كان آخر الجملة الواردة فإنه يرد في الوقف، ولهذا أشباه ونظائر ذلك مثل: (سمعت الساري) و(حملت الواني).
وسوف أنقل ما أشار إليه شارح الألفية ص513-514 .
ولم أر هذا حسب فهمي وليس معناه المخالفة (للكوفيين) لكنه مني على سبيل الملاحظة.
فهو يقول هناك: [مذهب الكوفيين أنه يجوز الوقف بالنقل سواء كانت الحركة فتحة أو ضمة أو كسرة، وسواء طان الأخير مهموزاً أو غير مهموز، فقول: (هذا الضرب) و(رأيت الضرب) ..الخ] ص513
ومن ثم أشار باقتضاب شديد إلى ما ذهب إليه البصريون أنه لا يجوز النقل إذا كانت الحركة فتحة.. الخ
قلت هذا وجيه لكن عدم الجواز عند البصريين فيه شدة في المذهب، لأني رأيت أن الكوفيين والبصريين يسيرون وفق معطيات نحوية جيدة، قلت وهذا حسب تذوقي يخضع للسان المتكلم دون موجب للخلاف، إذ لم أر فائدة من هذا كله عند القوم والقوم الآخرين،
ولكن الخلاف بحد ذاته يُثري العقل المسلم في فهم لفقه وسياسة الكلام عنها, وهو يؤذن بالتجديد لا سيما والقوم لم أر من أي فهم سوء القالة أو سوء الخلق أو سوء الأدب عند التنازع, بل لم أر الوصاية والأستاذية عند أحد منهم، وهذا دال على رجاحة العقل وسلامة الصدر، إذ القوم ينشدون الحق لعل أحدهم أو الواحد منهم يصيبه. والمشكلة اليوم هي دعوى التعالم ونشدان الوصاية ولو عن طريق التعريض، وهذا حب للشهرة أو نشدان الجاه، وهذا مرجعه نفسي فلا يدركه صاحبه إلا بعد حين طويل، ولعله يكابر فلا يدري أنه في سبات عميق فهو يصر على دوام الكتابة وتكرارها في أساليب مختلفة وتنوعات متفقة، يعي هذا أصحاب الملكات الجيدة من ذوي القدرات والأخلاق الحميدة.
(تنويه)
ورد في العدد السالف 17208 من يوم السبت 12-3-1441 هـ خطأ لعله غير مقصود (وخلال ذم قارئي العزيز) والصواب (وخلاك ذم قارئي العزيز).