عرض وتحليل - حمد حميد الرشيدي:
ويقع هذا الكتاب في 211 صفحة من القطع الكبير, تناول خلالها مؤلفه العلاقة بين الأدب والنقد وجدليتها بينهما, ساردا على القارئ, بشيء من التوسع والاستفاضة تفاصيل نشأة هذين الحقلين إلى جانب بعضهما, وكأنه ليس بالإمكان فصل أحدهما عن الآخر, على اعتبار أنهما مكملان لبعضهما بعض. وقد استند المؤلف بعد أن عرّف كلا من (الأدب) و(النقد) على حدة إلى المنهج التاريخي لهذين الحقلين, متطرقا إلى بداية ظهور النقد الأدبي في المجتمع العربي القديم (العصر الجاهلي), وما مر به من تطور في العصور اللاحقة, حتى العصر الراهن. كما أنه تطرق أيضا لمقارنته بنظيره في الآداب أو اللغات الأخرى, كما في بعض الآداب الأوربية أو الغربية, خاصة ما يتعلق منه بـ (النقد المعاصر).
وقد تحدث المؤلف في (المقدمة) عن هذا الموضوع بقوله:
«النقد المعاصر وثيق الصلة بالحياة المعاصرة بكل إفرازاتها, وهو خاضع لقواعد النضج والتطور, شأنه في ذلك شأن الحياة نفسها التي لا تقف عند حد معين, وهو مرتبط بالقضايا الفكرية والفلسفية والاجتماعية والسياسية.
ويجمع النقد بين مكونين: مكون العلم, ومكون الفن. ففي المكون الأول نتلمس أثر العلوم الاجتماعية والنفسية والقضايا الفكرية والفلسفية, وفي المكون الثاني نلحظ الفنية والقضايا الجمالية, والذوق الأدبي, والأنماط الأسلوبية واللغوية, مما يعطي المكونين اندماجا مميزا بين العلم والفن. وهذا يحافظ على ميزان دقيق لا يطغى فيه أحد من المكونين على الآخر, إذ أن طغيان العلم على الفن في النقد الأدبي معناه غلبة العلوم والمعارف على ما عداها, مما يجعل النقد مجالا لتطبيق النظريات والاتجاهات الفكرية, ويغلب الطابع القواعدي الجاف على المكون الثاني. تؤدي غلبة الفن على الجانب العلمي إلى النزوع الشخصي وإعلاء شأن الذوق الفردي والانطباعي, فلا بد من تفاعل المكونين ليتألق النقد الأدبي بالدربة والمران والثقافة والذوق الأدبي. والنقد الأدبي بناء لغوي يستند إلى بناء لغوي آخر, إذ أنه يستخدم المادة ذاتها التي تكون موضوعه الرئيس, ويشترك مع الأدب بمكوناته الأساسية, من حيث الأسلوب والتحليل والتفسير والتنظير...».