لست بصدد تأصيل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرعاً، فالسند الشرعي لها واضح بشكل كبير، وقد أشبع علماؤنا هذا الموضوع دراسة وبحثاً، ما أريد أن أتحدث عنه هو كيفية تطبيق الشعيرة وضوابط من يقومون بهذه المهمة بالغة الأجر والخطورة أيضاً!
ومما لا شك فيه أن دولتنا -حفظها الله- قد أعطت هذه الشعيرة فضلها وحقها في المجتمع، ولكن أعود للسؤال السابق كيف ومن يقوم بتطبيقها؟
عرف مجتمعنا في الماضي أن هذه المهمة قد أوكلت لجهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد كان لها من المميزات والسلبيات ما يعرفه الجميع، وأعتقد جازماً أن وضع التنظيمات لعمل هذه الجهاز كان له الفائدة الكبيرة التي بدورها حدت من هذه السلبيات وطورت الإيجابيات، وقد جرى السؤال العام ماذا بعد وكيف يتم تطبيق المخالفات على من ينتهك ويتجاوز الأنظمة والتعليمات.. أقول هنا ابتداءً إن فكرة تنظيم بمعنى وضع أنظمة للمخالفات قد أغلق باب الاجتهادات السابقة، والتي قد تأتي من مجتهد صادق متحمس، ولكن غير مهيأ للاجتهاد في تحديد المخالفة، وهنا جاء النظام ليضع الجميع تحت طائلة المساءلة، وبالتالي سيسهل فهمه من ثم تطبيقه، وقطعاً فإن إزاحة السمت الديني عن بعض العوام من الناس الذين يعملون في الجهاز السابق قد وضع الجميع الآن في دائرة الموضوعية، وبالتالي المساءلة المتجردة، ولا أجد في السمت دوراً كبيراً في أي جهاز باستثناء جهاز القضاء! ومنعاً للمغالطة فإنني أقصد بالسمت الديني وأعرفه بأنه ذلك الشعور أو الرابط الذي يخلق بين أفراد معينين حصانة غير مباشرة ضد أخطائهم وتجاوزاتهم، وهذا بلا شك نتاج الإرث الذي حظي به المجتمع في أزمان سابقة، أما الآن فقد نظمت الدولة أعمال من يرتدون عباءة الفضيلة «سلباً بالضرورة»، وأوكلت المهمة الباقية على وعي المجتمع وحصافة أفراده.
أخيراً.. وضع الأنظمة لا يتعارض من تطبيق الشريعة، فهذه الأنظمة متمسكة بأهداب الشريعة الإسلامية، والاجتهاد محفوظ لدى جهاز القضاء الشرعي، ولا أجد حرجاً من تنظيم كل ما يخاطب مجاميع الناس لكي يسهل فهمه لكل أحد، وبالتالي تطبيقه، ويكون بذلك عقلاً جمعياً يفهم الفضيلة ويطبقها بلا حاجة إلى سدنة أو حماة لتلك الفضيلة.. ألسنا نتذمر دائماً من أن الغرب يطبق الإسلام ونحن لا نطبقه، وحقيقة الأمر أن الغرب يطبق مبادئ العدالة من خلال أنظمته وشريعتنا الغراء هي من جاءت بالعدل الإلهي للناس ليعرفوا جيداً تعاليم هذه الدين ويعملوا به باحثين جميعاً عن الفضيلة المرجوة!
** **
- خليل الذيابي