كما يستعرض بعض شخصيات المجتمع المخملي والذين عبثت فيهم عوامل تعرية الزمن وغير من أشكالهم وتصرفاتهم، مقارنا إياها في فترة شبابها وحيوتها، إن فصل (الزمن المستعاد) هو استكمال للزمن المفقود في أجزائه الأولى المتنوعة. لكنه في هذا الجزء يمسك بتلابيب الزمن ويحوله إلى بطل الرواية.
تأثير ألف ليلة وليلة على بروست
ويقول بروست عن رواية (البحث عن الزمن المفقود): «سيكون كتابا بطول ألف ليلة وليلة ربما، ولكنه مختلف تماما، لا شك أننا عندما نحب عملا ما فإننا نرغب في فعل شيء مشابه له، ولكن يجب أن نضحي بهذا الحب الاني، وألا نفكر في أذواقنا، وانما في حقيقة لا تطلب منا ما نفضله، وتمنعنا حتى عن التفكير فيه، وفقط عندما نتبعها نصادف أحيانا ما تخلينا عنه، ونجد أننا كتبنا «الحكايات العربية» (المصدر نفسه، ص 292)
تقنيات بروست في الرواية
وصف د. جمال شحيد مترجم الفصل الأخير من هذه الرواية بقوله «في البحث عن الزمن المفقود رؤية يركز فيها الكاتب على نظرته الى العالم عبر تفتيت الزمن الفردي والجمعي الذي تكتمل قطعه شيئا فشيئا» وفي الزمن المستعاد يتهكم بروست على استعادة الزمن، أن يجد أن الشخصيات التي يصفها في صالونات الاميرة دي غيرمانت والتي يراقبها عن كثب هي شخصيات ترك فيها الزمن بصماته ومآسيه وجوائحه، فهي بعامة شخصيات متفسخة، ومتأكله ومندثرة تقول : إن زمنها - على الرغم من تشبثها به - فقد انتهى أو كاد، ولابد من انتظار الشيخوخة البائسة والموت والزوال» (ص 8).
يرى إبراهيم العريس 2013 بأن بروست «استطاع أن يدحض مقولة «البساطة تصنع الجمال»، ليثبت أنّ التعقيد أيضاً قد يصنع الجمال. الأسلوب الروائي عند بروست ليس مجرّد زخرفة، بل هو استحضار العالم من منظور خاص، لأنّ القيمة التي يمكن أن ينقلها كاتب ما إلى قارئه تكمن بالنسبة إلى بروست في قدرته على كشف عالم إضافي أمام الآخرين. وهذا ما فعله بروست في رائعته «في البحث عن الزمن الضائع» عندما بيّن للقرّاء أنّ الذكريات يمكن أن تغدو هي الحياة».
ويضيف العريس قوله : «كتب بروست الذي عاش في قرنين (نهاية التاسع عشر وبداية العشرين) وعصرين (الكلاسيكية والحداثة) روايته الضخمة بأسلوب يزاوج بين زمنين عبر لغة شاعرية تغذّيها التفاصيل الدقيقة المستقاة من صميم الواقع. لكنّ أهمية هذه الرواية التي تحافظ في أجزائها السبعة على الروح البروستية نفسها، تتجلّى أولاً في قدرة السارد على التعبير عن المشاعر الإنسانية القوية. ومن المفترض في هذا السياق استبدال كلمة المشاعر بالخلجات تكريساً للدقة التي يستوفيها نص بروست الأدبي».
ترجمة الرواية إلى اللغة العربية
قرأت عن رواية (البحث عن الزمن الضائع) في كتاب اسمه (القصة السيكولوجية) في منتصف السبعينات الميلادية وأعجبت بما كتب عنها، ولم أجد لها ترجمة عربية، وفي الولايات المتحدة الامريكية عام 1979 قرأت بعض أجزاء منها ولم أكملها لظروف الدراسة، ثم قرأت جزء من الرواية باللغة العربية في مطلع الثمانينات بعنوان (غرام سوان) ترجمة روبير غانم من إصدارات دار عويدات بلبنان، وبعد صدور ترجمتها كاملة عن دار شرقيات للنشروالتوزيع بمصر عام 1994، حيث ترجم الأجزاء الستة الأولى الأستاذ الياس بديوي، وترجم الجزء السابع (الزمن المستعاد). د. جمال شحيد.، قرأتها وبهرت بها من جديد.
... ... ...
المراجع:
- مارسيل بروست، البحث عن الزمن المفقود، الجزء الأول، جانب منازل سوان، ترجمة الياس بديوي، دار شرقيات، 1994.
- مارسيل بروست، البحث عن الزمن المفقود، الجزء السابع (الزمن المستعاد)، ترجمة. د. جمال شحيد). دار شرقيات، 1994.
- مارسيل بروست، رسائل مارسيل بروست، ترجمة ربيع صالح، دالرافدين، بيروت 2019
- إبراهيم العريس، في مئوية كتابه الملحمي «في البحث عن الزمن الضائع» جريدة الحياة، 30/ 2/ 2013، www.alhayat.cm › article
** **
- ناصر محمد العديلي