لا ينطبق وصف السينما السعودية المستقلة على أي فيلم سعودي، لأنه لا يوجد أفلام سعودية غير مستقلة نقارن بها الأفلام المستقلة، وبشكل عام السينما في العالم العربي باستثناء مصر هي مجرد سينما اجتهادات فردية، وأحياناً كثيرة هي أفلام صناديق الدعم الأجنبية، لذا من الأفضل عدم إدراج أي تصنيف للسينما السعودية الناشئة، لأنها عبارة عن اجتهادات فردية بسيطة، ومتشابهة.
لا عيب بوصف السينما السعودية بالسينما الناشئة، والمواهب الناشئة لها سحر خاص، وبريق جاهز للمعان، ولها طعم طازج، والمواهبة الناشئة نشطة، ولا تستند لخلفية فنية واحدة، وإنما تحاول أن تثبت وجودها، لكي يتم الاعتراف بها.
من بين أبرز الأفلام السعودية الطويلة فيلم «بركة يقابل بركة - 2016» للمخرج محمود صباغ، ومحمود صباغ فنان مبدع وصاحب رؤية حقيقية، ويتمتع باهتمامات عميقة بالتاريخ والفن والثقافة. وله تجربة وثائقية مميزة عن الأديب السعودي النادر والحر حمزة شحاتة.
«بركة يقابل بركة» يحكي قصة شاب فقير اسمه «بركة» يقع في حب فتاة لقيطة اسمها «بركة» تعيش مع أسرة غنية، ولم تكن مشاهدة الفيلم سهلة، لأنه لم يكتف بالتركيز فقط على القصة الأساسية.
حاولت أنّ أعطي الفيلم أكثر من فرصة، لذا شاهدت الفيلم عدة مرات، وفي المرة الأولى لم استطع إكمال المشاهدة وتحديداً بعد صورة جهيمان، لأني شعرت أن الفيلم يستعين بالأسطوانة القديمة المشروخة التي تشبعنا من الحديث عنها على مدى العشرين سنة الماضية.
ومن جهة أخرى، لأني بالحقيقة «تهت» مع القصة، فيبدأ الفيلم عن شاب ينتمي للطبقة الفقيرة يسكن في حي عشوائي قديم، ويعمل عمل حكومي ميداني في البلدية، ولكن تدريجياً تحول الفيلم إلى «لخبَطَة سردية»، فأخذ يتحدث عن المسرح والصحوة والفن والفقر والغنى والإسلام والكحول والفساد وإنجاب الأطفال والتزاوج ... إلخ، وظل يتوسع الفيلم في المواضيع حتى غطى جميع الهموم السعودية الوجودية والدينية والاقتصادية، ونتج عن ذلك فقدان الجوهر المركزي للقصة، والضياع بين المواضيع الجانبية، وفشل الفيلم في الحفاظ على الوحدة السردية، والتركيز على عمق الأحداث، فبدت الأحداث تظهر بشكل سطحي ومشتت، وسريع بحيث تفقد أهم المواضيع أهميتها، ويخمد وهجها عند البدء بموضوع آخر، وهكذا دواليك.
أتصور أن النص الأصلي للفيلم غير مكتمل، أو توجد مشاكل عديدة في السيناريو، فالحوارات سخيفة ومبتذلة، ونشاهد في أحد اللقطات بركة يجسد شخصية أوفيليا على خشبة المسرح أمام رجل واحد فقط من أصحاب البشوت، وبعدما ينتهي العرض المسرحي يبدأ بركة بصوت الراوي يتحدث عن أن نجاح الفنان صعب في مجتمعنا، ولكن بالحقيقة الأداء الذي قدمه بركة على خشبة المسرح سخيف، وتهريجي لدرجة مبالغة فيها، لذلك ظهر الفيلم بشكل متناقض فهو يقدم اداء سيئ ويلوم المجتمع على عدم دعم موهبته. وأحياناً يظهر التناقض بشكل ساذح فمثلاً في بعض الحوارات يناقش البطلين بغضب صعوبة رؤية بعضهما، لأنه لا يوجد مكان يمكنهم اللقاء فيه داخل السعودية، لكنهم يتقابلون بأريحية تامة، فالحديث عن صعوبة اللقاء يناقضه وبشكل مباشر سهولة اللقاء بين الاثنين.
مشكلة الفيلم ببساطة أنّ دائرة القصة أخذت تتوسع بشكل كبير حتى فقدت معانيها، وأصبحت أحداث الفيلم تناقض الأفكار المطروحة عن المجتمع، وعلى سبيل المثال نجد الفيلم يهجو الصحوة والتشدد بغضب مستعيناً بمواد وثائقية (الجميع يعرفها وشاهدها من قبل) ولكن الحياة داخل أحداث الفيلم لم تتأثر بالتشدد لا من قريب ولا من بعيد، فأصبحت الأحداث تناقض السياق التاريخي للصحوة الذي استخدمه الفيلم.
السينماتوقرافيا ممتازة وهادئة، والألوان متناسقة، والإضاءة رائعة، و أماكن التصوير جميلة.. وبالمجمل الجوانب التقنية جيدة، وتجعلني أتمنى أنّ محمود صباغ يقدم أفلاماً أكثر عمقاً وتركيزاً في المستقبل
** **
- حسن الحجيلي