زكية إبراهيم الحجي
ذهبت عرائس الماء تطلب رفات ذلك الفتى الوسيم «نرسيس» الذي عشق صورته المنعكسة على سطح الماء فتعذب عشقاً بذاته.. وافتُتِن بجمال وحسن صورته إلى أن مات.. بكت عرائس الماء فالرفات تلاشت وفي مكانها نمت نبتة نرجسية وحيدة تحني رأسها وترنو إلى الماء.. ومن هذه الأسطورة الإغريقية أخذت زهرة النرجس الجميلة اسمها واستقت صفاتها من صفات ذلك الفتى المغتر بوسامته وحبه الجنوني لذاته.
إن أجمل اللحظات في حياة الإنسان هي تلك اللحظات التي يتوحد فيها مع نفسه يُكاشفها ويصارحها وكم يصعب على المرء تحمل مرارة الصراحة وتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية.. فربما يدَّعي الصراحة أمام الغير، ولكن بينه وبين نفسه هو يدرك تماماً أنه بعيد كل البعد عن منطق الصراحة قريب جداً من المداهنة واللعب بالكلمات.. ولا عجب أن تظهر سمات النرجسية على لغته لكسب الثقة أو لتحقيق مكاسب مادية أو غيرها.
وكما يعلم الجميع بأن النرجسية بكل أبعادها ومفاهيمها تعني حب الذات والإعجاب المبالغ بالنفس.. وأن الشخص النرجسي يرى نفسه الأحسن والأفضل في كل أمر مهما كان وأن الآخرين أقل منه.. لذلك فهو يعتقد أن من حقه أن يعطي نفسه حقوقاً على حساب الآخرين يحيط نفسه بهالة من التفاخر والتعالي ويسعى لتمجيد نفسه أمام الآخرين.. وعطفاً عل ما سبق تحضرني هنا صورة رئيس ليبيا السابق «معمر القذافي» الذي جسد قمة النرجسية حين كان يرفع رأسه عالياً ويخاطب شعبه قائلاً: «من أنتم أيها الجرذان».. رئيس فقد صوابه بسبب جنون العظمة الذي أُبتلي به
الإحساس المتضخم بأهمية الذات والتصورات الخيالية عن نجاح غير محدود.. الشهرة والاستعراض وحب الظهور هي حاجات تعتمل في نفس الشخص النرجسي كي يُنظر إليه ويحوز على إعجاب الآخرين.. ولا ننكر بأن مجتمعنا لا يخلو من أناس وهم قلة يعيشون في أبراج عاجية، نتيجة تغلغل العشق الذاتي في عروقهم.. النرجسية ليست وليدة العصر الحديث فمن يقرأ تاريخ القرون الماضية يجد أن هناك كثيراً من الشخصيات العاشقة لذاتها حتى الجنون.. شعور يصاحبه نوع من جنون العظمة حتى باتوا لا يرون سوى أنفسهم في هذا العالم.. مواقف متغطرسة وأفعال متعجرفة تُشعرهم بالانتشاء.. ولعل لويس الرابع عشر الذي حكم فرنسا أربعة وخمسين عاماً يأتي في قمة هرم النرجسية، حيث طبع مصير فرنسا بتعليقه النرجسي المجنون «أنا الدولة.. والدولة أنا»؛ تعبير عن جوهر نظر نرجسية للتمركز الأحادي حول الذات.
في الحقيقة إننا اليوم أمام مشهد مقرون بعبارات تفوح منها رائحة النرجسية البغيضة وشبيهة تمام الشبه بمشهد «لويس الرابع عشر» الذي حكم فرنسا يوماً ما.. إنه مشهد نرجسية «حسن نصر الله» هذا الرجل المتغطرس صنع لنفسه هالة حديدية يطوق بها الشعب اللبناني وفاضت نرجسيته إلى الدرجة التي استفز فيها الشارع اللبناني بعبارته «العهد.. ما فيكم تسقطوه».