د. خيرية السقاف
سبق أن قلت هنا شيئاً ليس جديداً عند الناس عن طبيعة الحياة، والبشر،
الذين يعمرون الأرض، ويتعاملون فوقها،
يتعايشون معاً، يرضون ببعض، ويرفضون بعضا،
يعمرون حيناً، وينقضون حينا، يزرعون، ويثمرون، أو يحرقون ويبيدون،
يتقاربون حيناً، ويتجافون حينا، يحبون، ويكرهون..
هؤلاء جميعهم لم يُخلقوا على كمال، فهم بين تمام ونقص، وخير وشر، وقلة وكثرة،
وندرة ووفرة، وصفاء ودكنة، ونزاهة وطمع، وأدب وفسق، وعدل وتفريط، واقتصاد وإفراط..
تتحكم فيهم أهواؤهم، وتضبط أفعالهم عقولهم، وتغلبهم غاياتهم، وتوجههم نواياهم..
كأصابع اليد، واختلاف الحصى، وكتنوّع الدواب، وكألوان الرمل والتراب!
ومع أنهم يملكون العقل الفارق الوحيد بينهم وبقية خلق الله من كائنات الكون العظيم، وهو الوحيد فيهم مناط تكليفهم، والمسؤول عمَّا يصدر عنهم فيكونون في محك المسؤولية عمَّا يفعلون، ويقولون، إذ حين يفقدون هذا العقل تسقط عنهم التكاليف، إلا أنهم لا بد راجعون إلى نقص يعتور هذه الطبيعة فيهم، لأنهم لم يخلقوا على كمال، ولم يوهبوا التمام في الكمال،
وحين تجنمع لبعضهم عصب الحكمة حين يوهبونها، والخُلق الحسن حين يُرزقونه فإنهم الثلة التي توزن بها، وتؤول إليها السلامة والسلام، فإذا {خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}..
وضمن هذه الآية تندرج معايير الحياة الآمنة، بكل ما يحقق للبشر مثالية العيش وسلام التعايش..
لذا مهما نجا مجتمع بشري من قلة، أو كثرة من المارقين من الخير فيهم إلى الشر، ومن السلام للعدوان فإن هذا يعود إلى طبيعة البشر، وديدن الحياة فيهم..
{لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، ويحدث وفق هذا النهج أن يعتدي ناقص من الكمال على أبرياء بالترويع كما حدث في «حديقة الملك عبدالله» قبل أيام، أو تتخطى امرأة أو رجل عن الحدود لفظاً، أو حركة كما حدث في بعض مواقع ازدحام في موسم ترفيه، وهذا يحدث على مدار الساعة وأبلغ منه في مشاهد القتل، والدهس، والإحراق، والتنابز بين علية قوم، كما عند عامتهم على مشهد، ومرأى العالم في أمريكا، وأوروبا، والشرق والغرب، وحيث بشر ليسوا كاملين، ومقاصد ليست تخص نواياها إلا صدور أصحابها..
وحده القانون الذي ينظِّم ما بين نقص البشر وعجزهم، وما بين قصور وعيهم وضعف حكمتهم..
ولا تجمل الحياة إلا حين يعي ويدرك كل أبنائها هذه الحقائق، ويمررون الحياة بهدوء معتمدين على قوة الضابط في قانون النظام..، دون أن يتدخلوا فيفسدون انسيابية الحياة، ويعطِّلون مسارات قانونها. والقانون فوق أرضها، في أي جزء حيث تدب قدما إنسان عبر أصواتهم، أو وسائلهم.