خالد بن حمد المالك
في العراق هناك سباق محموم من أطراف عدة - داخلية وخارجية - لاحتواء الانتفاضة الشعبية، والحيلولة دون تصاعدها، غير أنها إلى الآن لم تنجح في إخمادها، رغم استخدام السلاح الحي، والغاز المسيل للدموع في التعامل مع المحتجين، ووصول عدد القتلى إلى المئات، والجرحى إلى الآلاف بحسب البيانات الرسمية، والمختطفين بأعداد كبيرة، وربما كانت الأرقام الحقيقية أكثر مما يتم الإعلان عنه تباعاً.
* *
الحرامية الذين سرقوا المال العام، هو واحد من عناوين المظاهرات في العراق، ومطلب المتظاهرين، غير أن التجاوب معه لم يتم بعد إلا على نطاق ضيق، حيث تم استثناء الرؤوس الكبيرة ممن استدعوا للتحقيق، فلم يكن من ضمنهم رئيس الوزراء الأسبق (نوري المالكي) الذي ينظر إليه على أنه عميل إيران في العراق بامتياز، بما يحول دون توجيه التهمة إليه مع أنه أكبر حرامي سرق مال الشعب، وأثرى بطرق غير مشروعة، بحسب ما يتم تداوله في منصات التواصل وبين العراقيين.
* *
وإنهاء الانتفاضة -بنظرنا- لا يتم بقوة السلاح، ولا بعدد القتلى والمصابين والمختطفين، وإنما من خلال اجتثاث الفساد، وتقديم الفاسدين إلى العدالة دون تمييز أو انتقاء، وقبل ذلك وبعده تحرير العراق من سطوة إيران، ومنعها من استمرار سيطرتها على القرار فيه، ومن ثم فك أي ارتباط للعراق مع الدولة الفارسية، وصولاً إلى دولة القانون التي يحتكم إليها الجميع بعدل ومساواة.
* *
فالعراق دولة غنية بنهريها دجلة والفرات، وبنفطها، ونخيلها، وتاريخها، وموروثها، وموقعها الإستراتيجي، وما من عامل أضعف العراق، وأثَّر على الوضع الاقتصادي فيه، وكرَّس الطائفية، أكثر من عامل ارتباطه مع إيران، ووضع السلطة ومقاليد الأمور بيد العملاء لدولة ولاية الفقيه في العراق، مع أن هذه العلاقة الإيرانية - العراقية هي التي جلبت الدمار والخراب، وتفشي الفساد، والطائفية، وازدياد البطالة، وتردي الحالة الاقتصادية في العراق الحبيب.
* *
ما نريد أن نقوله لإخواننا في العراق الشقيق، سنة وشيعة ومكونات أخرى أن قدر العراق أن يكون جزءاً من المنظومة العربية في الدفاع عن حقوق ومصالح الأمة العربية، وحماية مكتسبات كل دولة، بما فيها العراق، والنأي بدولنا ومسؤولينا عن أي تصرف يخل بموازين القوى لغير صالح العرب، لأن ما يمر به العراق الآن هو نقطة سوداء في تاريخه، وإهدار لكل ما بناه العراقيون على امتداد التاريخ بعرقهم ودمهم، قبل الاحتلال الأمريكي، وتآمر ممثِّل أمريكا (برايمر) على مصالح ومستقبل العراق بخططه وقوانينه والأنظمة التي ألزم العراقيين بها.
* *
لا أحد استفاد من الاحتلال الأمريكي أكثر من إيران، ولا أحد تضرَّر من هذا الاحتلال أكثر من العراقيين، وهذا ما يضعنا أمام السؤال المهم: هل تسفر هذه الانتفاضة الشعبية عن تغييرات جذرية وجوهرية تمنع إيران من التدخل في شؤون العراق، ليكون الشعب هو صاحب السلطة في اختيار حكامه ومسؤوليه، أم أن القوى الداخلية النافذة التي تحرِّكها طهران وبينها الحشد الشعبي وبعض الأحزاب السياسية قادرة على الالتفاف على الثورة، وإنهاء مظاهرها، حتى ولو كان هذا على حساب المزيد من القتلى، والكثير من المصابين، وبسلاح أكثر تطوراً وقدرةً على إرهاب وتخويف الناس، هذا هو السؤال؟!