د. خيرية السقاف
الذين «يهرفون بما لا يعلمون» يقعون في هُوَّاتِ فراغهم..
فيهم الذي يأخذ مما يسمع بطرف ثم يذهب في الاستطراد عنه..
ومنهم من يقرأ العناوين دون المتون فيصبح المتفَوِّه عن مضامين يتوهمها..
ومنهم من يلقط من الأفواه ما تقول فيجعل من نفسه المختص في التحدث عنها..
ومنهم من يفسر «الماء بالماء», والهواء بالهواء,
والذي يرى الحجر جبلاً, والحديقة حقلاً, والمجرى بحرًا, والمستنقع نهرًا, والفزاعة جنيَّا يتلو عنها الحكايات, ويشحذ بما يقول الأوهام!!..
كثير من هذه العينة يجعلون من موقف طارئ حدثًا يرددونه, يبهِّرونه, ويطبخونه,
ومن خبر عابر قضية, تتمادى في المجالس, وتنتشر في المنصات,
بل من مجهولين لديهم وجبة دسمة لحكاياتهم,
فيهم الكذب ظنًا, والظن يقينًا, والمعلومة هشة كهشاشة جناح بعوضة..
هؤلاء ابتليت بهم الحياة, وتعطلت بهم الحقائق..
يغيرون ألوان اللوحة المشرقة لدكناء..
لم ينج موقع بين الناس لم يحتل منهم فيه مكانًا, الذين يهرفون بما لا يعلمون,
وإن كانوا يحسنون في أنفسهم الظن بأنفسهم, لكنهم أقدر على معرفة أنفسهم من سواهم..
إنهم عبء على المجتمعات حيث يكونون, وعلى الحقائق حيث تضيع..
وعلى الطهر حيث يكون حلمًا..
هم في كل زمان, ومكان, الواهمون في أنفسهم, المصدِّقون لوهمها..
لكنهم الندبة التي لا نجاة البتة من قبحها..