د.شريف بن محمد الأتربي
غالبًا ما تبدأ المبادرات الكبرى بفكرة صغيرة يتبناها شخص ما ويبدأ في العمل عليها بكل جد وإخلاص من خلال اقتناعه بهذه المبادرة وأهميتها للمجتمع، وبقدر اقتناعه واهتمامه بقدر ما تنتشر هذه المبادرة في المجتمع لتتحول بعد فترة إلى أيقونة إلهام ونموذج عمل ناجح.
لقد بدأت فكرة مسك (مؤسسة الأمير محمد بن سلمان الخيرية) عام 2011 حين كان الأمير محمد بن سلمان نائب رئيس مجلس الوزراء وولي العهد ووزير الدفاع؛ مستشارًا خاصًا لخادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- وقت توليه إمارة منطقة الرياض. وهي إحدى نواتج غراس الخير الذي زرعه ونماه الملك سلمان -حفظه الله- في أبنائه، الذي انعكس بدوره أيضًا على كثير من أبناء المجتمع الذين سارعوا للاقتداء به في العمل الخيري.
كبرت مسك وتحولت من حلم وفكرة إلى واقع ملموس وبدأت تؤتي ثمارها؛ فمسك ليست مجرد جمعية خيرية يزين تاريخها وجود سمو ولي العهد -حفظه الله- على رأس هرمها ولكنها حكاية كما تقدم هي الحكايا. فمسك ومنذ إطلاقها ليس لها سقف للطموح فهي تنطلق وتنطلق وتبدع ويوميًا نجد عندها الجديد.
ولعل من أبرز ما قدمته مسك وما زالت تقدمه للمجتمع السعودي وللعالم كله هي حكايا مسك: إحدى المبادرات الإبداعية التي أطلقت عام 2016. وهي فعالية سعودية ملهمة حيث تعمل على نشر قصص النجاح إلى أبناء المجتمع على اختلاف اهتماماتهم وفئاتهم العمرية. وتركز هذه الحكايا على صناعة المحتوى في الكتابة والرسم والأنميشن animation والإنتاج.
لقد مهدت «حكايا مسك» الطريق للشباب للانطلاق بمواهبهم ورؤيتهم الفنية وبلورتها في قالب عمليّ احترافيّ، من خلال مشاركة الخبرات والتجارب الإبداعية عبر مجموعة من الورش التدريبية ومنصاتها. ولم تتوقف رحلتها حكايا مسك عند الرياض بل بدأت رحلة أخرى متجولة بين مدن المملكة لتوفر أكبر عددٍ من الفُرص التدريبية للمواهب الشابة من أبناء المجتمع.
وليست حكايا مسك فقط هي الملهمة ولكن قبلها بكثير كلمة سمو ولي العهد -حفظه الله- الأمير محمد بن سلمان رئيس مجلس إدارتها عند تدشينها، وهي الكلمة التي أرى أن تتحول لدستور عمل أي مؤسسة خيرية فقد سطرت هذه الكلمات الكثير والكثير من القواعد والأطر التي تحكم العمل الخيري ليس في المملكة فقط ولكن في أي بقعة من العالم، فقد قال -حفظه الله-:
«نسعى من خلال مؤسسة «مسك الخيرية» إلى الأخذ بيد المبادرات والتشجيع على الإبداع، بما يضمن استدامتها ونموها للمساهمة في بناء العقل البشري، وتحرص القيادة الرشيدة بقيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، على الاستثمار في رأس المال البشري، وتوفير البيئة المناسبة له لينمو ويسهم في تمكين هذه البلاد الغالية من التقدم والتطور، واتخاذ الموقع المناسب الذي تستحقه.
تحرص بلادنا العزيزة على التحول إلى الاقتصاد القائم على المعرفة ومجتمع المعرفة، ويبرز ذلك من خلال خطة التنمية العاشرة التي تنطلق من التوجيه السامي بإعداد إستراتيجية للتحول إلى مجتمع المعرفة، فضلاً عن الإستراتيجية الوطنية للشباب التي تؤكد في أحد أهدافها على أهمية دعم الشباب والارتقاء بقدراته الريادية والمعرفية والبدنية.
لذا ستعمل مؤسسة « مسك الخيرية» على تحقيق التكامل في هذه الجهود، بموازاة الجهود المبذولة من كافة المؤسسات والجهات لتحقيق هذه الرؤية.
إن الله عز وجل إذا مكن الإنسان من سلطة أو مال أو معرفة، فعليه أن يسخر ذلك في الاتجاه الصحيح، ويعمل على ضمان الجهود التي يبذلها بأن تكتب لها الاستمرارية. لذا، يبرز أهم العوامل في بقاء الحضارات وهو استدامة الأعمال بوجه عام، وذلك من خلال تعزيز مفهوم التنمية المستدامة والاستدامة. ونجد في الدول المتقدمة أنها تتخذ من الأعمال الإبداعية والإيجابية منصة للعمل المؤسساتي بتركيزها على الاستدامة والتطوير، وينعكس ذلك من خلال استمرار المؤسسات لعشرات ومئات الأعوام، لتصبح من أهم روافد تشكيل تلك المجتمعات. لذا، سأسعى مع فريق العمل، من خلال مؤسسة «مسك الخيرية»، على الأخذ بيد الأعمال والمبادرات وتشجيع الإبداع، بما يضمن استدامتها ونموها للمساهمة في بناء العقل البشري.
ونسأل الله تعالى في «مسك الخيرية» أن يعيننا على مواصلة العطاء في طريق تحقيق رؤية القيادة الرشيدة ضمن مسيرة النماء والتنمية التي تعيشها بلادنا، سعيًا لخدمة أبناء الوطن وبناته».
ومن أجل هذه الحكايا عقدت مسك الكثير من الشراكات مع مؤسسات محلية وعالمية بهدف الاستفادة من خبراتها ونقلها لأبناء الوطن المبدعين منها: منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، وأكاديمية خان، وجامعة هارفارد، ومجموعة بوسطن الاستشارية.
ومن أجل بناء المواهب وتفريد التعليم كانت مدارس مسك، التي تدعم التغيير في التعليم وخصوصًا دمج التقنية في التعليم من أجل التحول الرقمي أحد أهداف رؤية المملكة 2030، إلى جانب مدارس الرياض للبنين والبنات، التي تعد في حد ذاتها صرح تعليمي خَرجت ومنذ أربعين عامًا وما زالت تخرج القادة الذين تبوأوا مناصبهم متسلحين بالعلم والمعرفة التي نهلوها بين جدرانها.
إن حكايا مسك في عامها هذا ليست مجرد حكايا بل هي الإبداع في الإبداع ذاته، فقد كانت هذا العام تحت عنوان: رحلة صناعة مشاهد الأفلام عبر مراحل رئيسة، وهي: ما قبل الإنتاج، الإنتاج، وما بعد الإنتاج، حيث تشمل هذه الرحلة ورش عمل ومنصات يشارك فيها المتحدثون تجاربهم وخبراتهم ومواقع تصوير بتقنيات تحاكي الواقع بمشاركة عدة شركات محلية وعالمية متخصصة في مجال الإنتاج.
ففي هذه الرحلة تم الالتقاء مع المبدعين الذين تحدثوا عن إبداعاتهم في هذ الرحلة سواء عن خلق فكرة أو تجربة مروا بها ليحاول كل منهم تجسيدها وإيصالها إلى الجمهور بنفس المشاعر التي أراد المُبدع إيصالها من خلال عمله.
إن مسك ليست مجرد جمعية خيرية ولا تكفيها كلمات لتعبر عن التحول الذي أحدثته في المجتمع السعودي وخارجه، أن مسك وحكاياها ينبغي أن تكون جزءًا من المناهج الدراسية، جزءًا من التنمية المهنية للعاملين في المؤسسات الحكومية والوزارات والهيئات، أن حكايا مسك تمثل الإلهام لجيل المملكة الجديد جيل الرؤية 2030 جيل محمد بن سلمان، الجيل الذي سيقود المملكة بإذن الله نحو غد أفضل وآفاق لا محدودة.