فوزية الجار الله
يحدث أن تستغرقك تفاصيل الحياة مابين عذوبتها ومرارتها، حنانها وقسوتها، تطوف بك أحداث صاخبة، تأخذك من نفسك وتحيلك إلى شتات، تأتيك لحظة صحو أو.. يقظة، تبحث عن نقطة ضوء تستدل بها إلى فضاء أجمل، تتذكر بأنك معنيٌ بالكتابة أو أنها معنيةٌ بك، تود أن تفضي ببضع كلمات، تود أن تتحدث، أن تقول هذا أمر سهل، لكن الأصعب أن تكتب، الأقوال متشابهة غالباً ومتاحة لكل أبناء البشر طالما حبالهم الصوتية معافاة، ما بقيت ثمة منابر متاحة يمكنهم إطلاق أصواتهم عبرها، خاصة في زمننا هذا، حتى الكتابة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بشكل أو آخر، هذه لا تعتبر كتابة خالصة وإنما نوع من الأحاديث المعلنة!.
يحدث أن تغيب زمناً عن الكتابة فتجدها متأبية متمنعة، تخالها نأت عنك وأعلنت العصيان ضدك، تحاول قرع باب الذاكرة.. تسند رأسك إلى كتف أشواق خفية، غامضة، وبينما أنت كذلك تفاجئك أضواء لنجمات بعيدة تعدك بلحظة خلاص، هي أشبه بعبور آمن إلى ضفة أخرى.
وهكذا، كنت في طريقي إلى الكتابة حين عبرت أمامي سطور وكلمات يصعب أن أتجاهلها أو أن أغلق الباب دون إشراقاتها.. و.. وجدتني ألتقط منها شيئاً لتشاركوني متعة القراءة والتأمل:
* (قال الحرسي الكردي الكهل، ثم استدار عائداً إلى الخيمة، يحلم بلحظات يفيء فيها إلى روحه التي رهنها زماناً للشيطان، وهو يخوض حروبها الطويلة في الولايات المكتظة بالبشر والقصور والروائح الثقيلة، والزمن النائم في الحجارة والأبواب، وقد شهد من الفظائع ما يشيب له الولدان وأشنعها ما ارتكبها مولاه، فلقد صهر بعض خصومه في الكلس الحي، وبعضهم الآخر صلبه على الأسوار أو سلخ جلده، أو أقعده على الخازوق، أو سمّره من أذنيه بمسامير إلى الحيطان ليموت جوعاً وعطشاً.
اللهم أعني على هذا الزمن الرديء.. قال الرجل، وكأنه يصلي..).
-من رواية لإبراهيم الخليل-
* (لا يستطيع الحبر مجاراة الدم أو الدمع، وليس مطلوباً منه ذلك، لكنه على الأقل يستطيع المساهمة في التصدي لعمليات الطمس والنسيان، و»قرع جدران» الخزان كي لا يصيبنا ما أصاب رجال غسان كنفاني، فلا نعطي ذريعة لمتخاذل أو متآمر أو للامبالٍ ليسألنا بعد فوات الأوان: «لماذا لم تدقوا على الخزان». لنرفع الصوت عالياً دفاعاً عن قضية عادلة نبيلة هي قضية الشعب الفلسطيني في جلجلته المتواصلة لأجل قيامة الحرية ودولة الاستقلال ومن ضمن هذه القضية تتفرع قضايا لا يجوز إهمالها أو تجاوزها ومنها، بل وفي مقدمتها، قضية آلاف الأسرى القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومعتقلاته من دون أن تحظى ولو بالحد الأدنى من الاهتمام الأدبي والإعلامي...) من مقدمة لزاهي وهبي ضمن كتاب (ألف يوم في زنزانة العزل الانفرادي).