بغداد - وكالات:
أدرك العراقيون بوعي»وطني» مُستحدَث أن الشيعي والسُني والعربي والكردي وغيرهم يعيشون ظروفًا متشابهةً من المعاناة تستوجب القفز على الاعتبارات الطائفية والعرقية للخروج»الجمعي» من الأزمات المتراكمة. لم يعد للخطاب الطائفي المكانة ذاتها التي كان يحتلها في الوجدان الجمعي للمكونات الطائفية، إذ بات الخطاب وطنيًا «جامعًا» للمكونين الأساسيين الشيعة والسُنة، والمكونات الطائفية والعرقية الفرعية الأخرى، حيث خلت الشعارات المطروحة في احتجاجات العراق من أيّ اتجاه طائفي أو عرقي محدد، رغم أن الاحتجاجات شيعية بامتياز. ويحاول المحتجون إعادة الهوية الوطنية الجامعة لكل العراقيين ضمن عنوانها الأكبر المتمثل برفض تدخلات إيران، ورفض واضح وصريح للأحزاب السياسية والفصائل المسلحة المرتبطة بها، وهو ما لم يكن معلن عنه قبل هذه الموجة من الاحتجاجات، وإن ظهرت بوادره خلال احتجاجات البصرة (جنوب)، في يوليو الماضي.
وتشكل محافظات الجنوب والوسط المجال الحيوي للنفوذ التقليدي الإيراني، بدافع العامل الطائفي المشترك، لكن الاحتجاجات اتسعت لتشمل تلك المحافظات، التي تمثل معقل القاعدة الجماهيرية لسلطة الحكم «الشيعي»، والخزان البشري للفصائل المسلحة المرتبطة بإيران من داخل الحشد الشعبي أو من خارجه.
فصائل الحشد الشعبي كانت «تحتفظ» بمكانة عالية في نفوس العراقيين الشيعة، الذين التحقوا بصفوفها بعد تشكيلها بفتوى من السيستاني لمواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي، بعد استيلاء التنظيم على مدينة الموصل صيف 2014.
لكن المحتجين الشيعة باتوا ينظرون إلى فصائل الحشد على أنها «أداة قمع» مساندة للقمع الممنهج، الذي تمارسه ضدهم قوات حكومة عادل عبد المهدي. بدا واضحًا على لسان المحتجين حالة الغضب من النفوذ الإيراني في العراق، أو في بعض الحوادث التي رافقت موجة الاحتجاجات الراهنة، ومنها إحراق جدار القنصلية الإيرانية بمدينة كربلاء، ذات الرمزية العالية لعموم الشيعة في العالم.
على ما يبدو فإن اصطفاف فصائل الحشد الشعبي بجانب حكومة عبدالمهدي وضع تلك الفصائل في الخندق الآخر «المناهض» لتطلعات المحتجين، ما يعكس واقع الانقسام داخل الصف الشيعي، أو ما يمكن اعتباره حالة ذوبان للتيار الشيعي المناهض لإيران في الهوية «الوطنية»، بعيدًا عن التخندق الطائفي، الذي ظل سائدًا طيلة سنوات ما بعد الاحتلال.