عبده الأسمري
تستوطن المعاناة القلوب وتحتل الوجدان فتظل ماضية إلى العمق معزولة خلف الكبت متوارية وراء الكتمان.. لتكون جزءاً من الأقدار المرتبطة بالظروف والمترابطة مع العوائق ونتائج حتمية للمواقف المحزنة والمحطات المؤلمة..
في جانب خفي من النفس وركن قصي من الروح تسيطر المعاناة وتبسط أجنحتها في ميدان العمق الإنساني مستنفرة العقل والقلب والجوارح لمواجهة هذا الاحتلال الإجباري.. مما يجعل الإنسان في صراع دائم مع أوجاعها وعراك مستديم مع أتعابها حتى تغادر جزئياً أو كلياً ليبقى مكانها «أثراً للحزن» و«مآثر للوجع» تتطلبان تأهيلاً روحياً ونفسياً لترميم أعمدة «الارتياح» ولم «شتات» الرضا.
المعاناة هي الدخيل الغامض الذي يأتي بلا موعد وقد يزداد في بسط مساحات احتلاله وقد يمد جذوره في أرضية النفس للبقاء أطول فترة في ظل أوجاع متكررة أو مواجع متعددة تغمر الأنفس بأمواج الإحباط وتعتمر الأنفس بعواصف «الخذلان» في ظل قهر اضطراري في حالات «الهزائم النفسية» وتقهقر إجباري في فرضيات «العزلة الاجتماعية».
إن ظلت المعاناة في محيط «الصمت» واستقرت في «قعر» الكبت فإن ذلك مؤشر خطير إلى نتائج أشد إيلاماً في ظل سطوة «الظروف» وميلها إلى الازدياد في حالة السكون ووسط ساحة الجمود.. وسط عواصف أخرى قد تحرك المعاناة وتجعلها في حالة من «الهيجان» لتضم إلى معسكرها «المؤلم» مزيداً من الجراح. وقيوداً من الأحزان..
لذا فإن بعثرة هذه المعاناة وزحزحتها من مكانها «مقام أول» للحلول ثم ترتيب خطط ذاتية لطردها من «الذات» بمرحلية مدروسة عنوانها «المواجهة» وتفاصيلها «المقاومة» ونتائجها «السيطرة» لذا فإن الأمر سيكون في «ميدان» يستقبل معركة حقيقية بين نفس تقاوم وظروف تتشبث وعوائق تستبسل فإما الانتصار أو الاندحار وفق أدوات «النفس» للمضي قدماً بالتفكير نحو آفاق المعاني والتدبير إلى وفاق «الفرج».
البشر «عناصر» أساسية في محيط «المعاناة» وهم على نقيضين في «سوء» التورّط أو «طوق» النجاة» ومن كل الاتجاهين تتمدد المعاناة إلى أعماق النفس بخذلان مخز أو شماتة بائسة أو أن تتجدّد المعاني لنقل النفس المصابة بويلات «العناء» إلى «إيجابيات» العطاء..
نقبوا عن «الآلام» في أنفس الآخرين فكم هي الأعماق التي تحولت إلى «سرادق عزاء مخفية» داخل أسوار النفس وكم هي المحاجر التي تحتضن البكاء «عنوة» في عزة نفس كتمت «الحيرة» داخل عمقها المسكون بالبلاء.
ابحثوا في الوجوه عن «ملامح ضيم» تخفت خلف «ابتسامة» غامضة تحمل كل هموم الأرض.. انظروا في تلك الأنفس الشاردة التي غادرت منطق «الطمأنينة» وسبحت بعشوائية في فضاء «الخيبات».
توغلوا في أعماق «المسكونين بالمعاناة» لتنقلوهم بعونكم وإغاثتكم فمنهم المتعفف عن «السؤال» والعفيف عن «الشكوى» وفيهم «المجبر بالصمت» و«الصابر بالسكوت»..
بعض المعاناة بيننا جلية واضحة لا تحتاج للتنقيب في خفايا الآخرين أو البحث في أسرار الغير، فهنالك من يدوي صوته علناً فتسكته «وسائل التجاهل» وآخرون يئنون من دواخلهم سراً فتفضح ملامحهم «ثورة الأعماق».. جهراً.. ونوع احتضن وقع «الأوراق» معاناته في انتظار توقيع «الحلول»..
الشعور بمعاناة الآخرين «حتمية إنسانية» و«ضرورة آدمية» يجب أن ترتقي في هيئة «معاني» تندرج تحت الإحسان والنفع والعون والغوث والنقاء والصفاء..
تحت وطأة الضغوط وسطوة الحيرة وحضور التعاون وقدوم التعاضد تتجلَّى «المواقف» وتسمو «الوقفات» ويفرق فيها بين «الوفاء» و«الجفاء» وبين «الإعانة» و«الإدانة» وبين «الاتفاق» و«الشقاق».
أعماق المعاناة تضرب بأطنابها في دواخل الأنفس وأمامها «إنسانية» مجبرة على «رسم آفاق «المعاني» التي تنتزع تلك الآلام من عقرها وتنزع تلك السوءات من مهدها لتكتب لها «الانفراج» في هيئة «غوث مجتمعي» و«عون أنساني» يتعامد مع حياة يشكل فيها التكامل دهراً للثبات ويثمل فيها التكافل مهراً للرقي.