سهوب بغدادي
فيما تُعرف الحروب الأهلية في القانون الدولي أكاديمياً بالمجموعات المتناحرة في نطاق واحد، حيث تتقاتل من أجل السيطرة على المشهد السياسي، أو على رقعة جغرافية ما أو من أجل فرض تغييرات كبيرة في المشهد السياسي. في حين نجد أن معاهدات قوانين الحرب وجدت لتتعامل مع الحروب بين الدول، وليس مع الحروب الأهلية بشكل خاص إلا في حال خرجت عن نطاق السيطرة. في هذا الصدد، نستطيع تطبيق مبدأ اندلاع الحروب الأهلية على الحروب الأهلية المعاصرة -لأهل العريس والعروس- حيث تعلن حالة التأهب منذ عملية الخطبة وتدق الحرب دفوفها عند عدم الاتفاق على أمر ما أو تصرّف أحد الأهالي بطريقة لا تتوافق مع أنماط التفكير المعتادة للطرف الآخر، كما ويعلن التمرّد والعصيان على أحد العروسين أو كليهما عند بدء الحياة الزوجية. ويستمر مشروع الحياة الزوجية مقترناً بفرق منشقة لا شخصين تحاصرهما المستجدات التي قد تزعزع استقرار حصنهم الذي لم تجف لبناته بعد. وأسميتها بالحرب الأهلية لأنها حرب فعلية ولكنها غير معلنة، فيما يعد هذا النوع من العداء المبطن بالابتسامات الزائفة من أخطر الإستراتيجيات التي تهدف لتشتيت وتشكيك الطرف الآخر وذلك من شأنه إظهار الفئة المعاداة بمظهر سيئ. إن الزواج من أجمل وأقدس الروابط التي تؤلِّف بين قلبين في الدنيا والآخرة. إذن، لماذا يخوض الأهالي هذه الحروب المشينة عوضاً عن فسح المجال لأنفسهم ولغيرهم ليسعدوا؟ ببساطة، يعنى والد العريس ووالدته- على الأغلب إلا ما ندر- بالمهر وتكاليف الزواج والسكن وما إلى ذلك من التفاصيل المرهقة وفي المقابل يعامل بعض آباء وأمهات الفتيات -للأسف- كالسلعة التي يجب أن يقدَّم لها أكبر مبلغ من المال وأجمل فستان وأكبر قاعة احتفالات وأثمن أثاث وغيرها من المنغصات التي تتداخل في الهدف الأسمى ألا وهو محاولة الأهالي الجادة التأليف بين العروسين وتوعيتهما بأهمية هذا الرباط الوثيق الذي يتعدى شخصين فقط. أنا لا أستطيع إلقاء اللوم بشكل كامل على الأهالي نظراً لأن عملية الزواج في البلاد العربية مختلفة كثيراً عن الزواج في الغرب. حتماً، سنجد بعض المنغصات لدى الغرب فيما يتعلَّق بأهالي الزوجين إلا أن مقدار التدخل في القرارات يختلف بشكل كبير نتيجة اختلاف آلية الزواج وماهيته لدى الغرب. على سبيل المثال، أحب مايكل فتاة تُدعى ريتشل, ذات يوم قدَّم لها خاتم -ألماس أو كريستال أو ما تيسَّر- انهارت ريتشل من الفرة ولم تسعها الأرض التي حملتها ووافقت بالتأكيد -يس يس- بعد ذلك ذهب مايكل وريتشل ليزفا الخبر السعيد إلى كل أهليهما ففرح الجميع, وحدَّد كل من العروسين توقيت ومكان وتكاليف الزواج وشهر العسل الذي خطَّطا له سوياً وأقصد عندما أقول سوياً -مايكل وريتشل فقط- فيما يقدِّم الأهالي مساعدتهم التي تتمحور عادة في مباركة الزواج والدعم المعنوي. نرى من المثال الغربي أن الأهالي لا يتم إقحامهم في المرحلة التنفيذية لمشروع الزواج، بل يشكِّلون أعضاء شرفيين أو مستشارين لا مدراء تنفيذيين وممولين ومدراء مشاريع ومصممي ديكور ومنسقي زهور وموردي فطائر وكعك وتوزيعات ومن ثم محلّلين إستراتيجيين ومستشارين أسريين إلى أن يقضي سبحانه أمراً كان مفعولا.
(لنتجنب الحروب الأهلية، فالعالم يعج بالحروب الفعلية).