عبدالعزيز السماري
أحيانًا أتساءل ما الذي يدفع أقلية في بلد ما أن تتحول إلى أداة لتمزيق بلادها، ولمصلحة من يموت الأبرياء وينتشر الخراب ويسقط العمران وينتشر الجوع والخوف، لعل هذه العبارة تختزل قصة الحوثيين في اليمن، بعد أن تحولت اليمن إلى دمار بسبب مغامراتهم الداخلية والخارجية.
المفارقة في هذه المغامرة العبثية أنهم يعتقدون بامتلاك الحق الإلهي للحكم بصفتهم ممثل الله الشرعي على أرض اليمن، وهو ما يجعلهم المخولين للقيام بسلطته لحكم كل الأشياء من حولهم، وهو عنوان عريض في تاريخ الإنسانية، فبعض الأقليات دومًا ما يستخدمون ادعاء الحق الإلهي من أجل فرض سلطتهم وتبرير جرائمهم المروعة.
مفهوم الحق الإلهي له أصول دينية وسياسية في التاريخ، ويعمل المحارب الجديد على تعزيز شرعيته من أجل تبرير جرائمه على الأرض، وينص هذا المفهوم على أنه لا يمكن إلا لله أن يحكم، والأقوى والأكثر جرأة في القتل هو خير من يمثله على وجه الأرض، ولم يكن هذا الادعاء حكرًا على الغرب المسيحي، فقد كان له جذور في تاريخ المسلمين، وهو ما أدخل مفهوم حق الادعاء الإلهي في صلب السياسة الشرعية..
لم يتوقف عن الأمر عند ذلك، بل تجاوزه إلى خروج جماعات تدعي اصطفاءها للقيام بدور الخلاقة المفقودة، وهو ما أشعل الفوضى في بلاد المسلمين، وما يجعل من الأمر كارثيًا تعدد مصادر حق الادعاء الإلهي، منها السني والشيعي، ولعل أشهرهم القاعدة والحوثيون وحزب الله في لبنان، وبقية الأحزاب الطائفية في العراق، وما يجري هو جزء من ذلك الارتباط العضوي الشديد بالماضي، الذي تجاوز معاني الهوية والثقافة إلى مصدر للرعب والإرهاب، وهو ما يخالف المفاهيم الأساسية للدين الحنيف، التي قامت على محاربة الشرك، لكنه تجاوزها إلى أبعد من ذلك بكثير، وإلى فرض أقصى درجات التحريم من أجل فرض السيطرة.
يعلم الحوثيون أنهم لن يستطيعوا فرض سلطتهم المزعومة بالحق الإلهي في اليمن، فالتاريخ لا يعود إلى الماضي، ولكنه يتقدم إلى الأمام في صورة متسارعة، وقد يتوقف لفترات، لكنه يستمر في التطور والتقدم، فالعلم والثقافة انتصرا على الجهل والتطرف، ولم يبقى إلا خنادق مظلمة في العالم القديم، قبل أن يعم السلام في العالم.
محاولة ربط مصير اليمن بإيران وبحكم الملالي المتطرفين لن تنجح لأنها ضد التاريخ، فالمصالح اليمنية مصدرها اليمن أولاً، والبلاد العربية من حولها، ولا يمكن أن تتجاوز اليمن أزمتها الاقتصادية إلا بالمشاركة التنموية في مشروع نهضوي مشترك، أما حكاوي الحق الإلهي وإصرار الأقلية أن تحكم اليمن باسم الله، فهي دعابة لا تصلح في الوقت الحاضر إلا أن تكون قصة من قصص الأساطير الشعبية..