طوكيو - عوض مانع القحطاني:
قامت «الجزيرة» بلقاء بعض الناجين من الحرب العالمية الثانية في اليابان وبالتحديد في مدينة «ناكازاكي» اليابانية والتي سقطت عليها القنبلة الذرية وأدت إلى وفاة 74 ألف شخص وإصابة 75 ألفاً بحروق وتشوهات وإعاقات نتيجة إسقاط هذه القنبلة على هذه المدينة التي تحيط بها الجبال من كل مكان، كما قامت «الجزيرة» بزيارة قاعة السلام التذكارية الوطنية في المدينة وهو المتحف الذي يحتوي على العديد من الصور لآثار الدمار الهائل الذي تعرضت له هذه المدينة.
في البداية قابلنا رجلاًَ عمره 86 عاماً يُدعى انيوسوكي هايا ساكي داخل المتحف وشرح لنا هذه الحادثة الأليمة التي وقعت في هذه المدينة، وقال: لن أنسى هذه الحادثة على أقاربي وأصدقائي وقد نجوت من هذه القنبلة أنا وأولادي، حيث كنت أعيش في أحد الجبال التي تبعد عن موقع القنبلة ما يقارب من 3 كيلو وقد لجأت لأحد الملاجئ أنا وأولادي وبقينا ما يقارب من يوم حتى انزاحت غمامة هذه القنبلة التي دمرت كل شيء وأخذنا نصارع الحياة وبعدنا عن المدينة رغم تعرضنا لبعض الاختناقات ولكن تم إعطاؤنا بعض الأدوية، منظر مرعب للناس وهم يحترقون ومشوهون لن أنساه أبداً.
أنا أقول لهؤلاء الذين يملكون السلاح النووي إن عليهم ترك هذا السلاح الذي يدمر الإنسان والأرض وألا يستخدم ضد الأبرياء وأن يلجأوا إلى البحث عن السلام ووسائل أخرى بعيداً عن أسلحة الدمار الشامل.. كما أنني أناشد رؤساء الدول الذين يتمسكون بالسلطة ويسعون إلى إدخال دولهم في صراعات أن يذهبوا عن كراسيهم حتى لا يتضرر شعبهم ووطنهم إلى الدمار.
أنا حالياً أعيش مسخراً حياتي لخدمة وطني من خلال عملي في هذه الحديقة الكبيرة التي أعمل فيها في تقليم الأشجار وزراعة الأزهار وأقوم بشرح ما تعرضنا له من هذه الحرب ومن المعاناة التي لحقت بالناس.. عندي أولادي حالياً يعملون وأكبرهم عمره حوالي 62 عاماً ونعيش حالياً في بلدنا اليابان في أمن وأمان واستقرار.
كما قمنا بزيارة أحد الناجين وعمره 90 عاماً وبصحة جيدة وهو من أهالي مدينة (ناكازاكي اليابانية) وهو السيد/ جوجي فوكاهوري، وقد تحدث بألم شديد وقال: نجوت من هذه الحادثة لأنني كنت أبعد عن منزل أهلي بحوالي ثلاثة كيلو وخلف جبل، كنت طالباً في المرحلة الإعدادية وقد فوجئنا بهزة أسقطت الزجاج والأبواب وما حولنا فخرجنا إلى الخارج ورأينا دخاناً أسود يلوح في السماء على شكل سحابة وعلمنا بأن في الأمر شيئاً، وحاولنا العودة إلى منازلنا ولكننا خفنا من هذه السحب السوداء والبيضاء التي غطت الجبال.. وعلمنا بأن هناك أمراً حدث في قلب المدينة وأخذت أمشي وكنت خائفاً وقابلونا أشخاص وذهبوا بي إلى المستشفى لأني أحسست أن في حلقي شيئاً وخرجت أبحث عن أهلي فوجدت أمي قد احترقت ووجدت أخوتي في مكان آخر وقد لقوا حتفهم وبقي واحد من الإخوان يصارع الموت وبعد خمسة أيام توفي شقيقي إثر هذه الأمراض وانتفخ جسمه، وفي أيامه الأخيرة لم يستطع بلع أي غذاء، أخبرت خالتي بأنني سوف أذهب لمعاينة منزلنا ووجدت جثة والدتي تحت الرماد.
أخذ المذكور يعرض لنا بعض الصور عن هذه الحادثة وقال انظر يا أخي هذه المدينة كيف أصبحت.. بفضل عزيمة وإصرار الحكومة اليابانية على إعادة كل شيء إلى ما هو أفضل.. عشنا في بداية حياتنا في هذه المدينة في خوف.. ولكن بالإصرار على الكفاح وبناء الإنسان بالعلم وعدم اليأس جعلنا نشهد هذه الحضارة في هذه المدينة التي نراها اليوم.. ناطحات سحاب وجسور وأنفاق وحدائق.. لقد وقع الانفجار في قلب المدينة وكان الانفجار هائلاً لم نكن نتوقع أن يحدث، لقد سقطت القنبلة ودمرت كل شيء المباني والحدائق والمدارس والطرق، وقد شكلت هذه القنبلة دخاناً أسود وأبيض وأزرق، لقد مات أطفال وكبار في السن ورجال ونساء في تلك اللحظة وبعدها بساعات وبعدها بأيام، وهناك من أصيب بالسرطان والأمراض، وهناك من احترقت جلودهم وملابسهم على ظهورهم، كنا في ذلك اليوم نطلب الماء، وهناك صعوبة في بلع أي شيء ودوخة وتشنج من آثار استنشاق «اليورانيوم» حتى العملات ذابت.. كما أن من نقابلهم وهم أحياء يطلبون منا الماء وأصواتهم مقطوعة وبعضهم أجسامهم وملابسهم محروقة وحجم الأموات مخيف جداً، وكان من المفترض أن تكون الأعداد أكثر بكثير في المناطق المجاورة ولكن الجبال أحالت على بعض المناطق ولم تكن الرياح قوية في ذلك اليوم مما حدَّ من تحول هذا الدخان الذي في السماء إلى المناطق الأخرى القريبة من المدينة، وأقول لك إن 90 % من الناس الذين على بعد كيلومتر واحد توفوا فوراً.
وقال: إن القنبلة عندما سقطت على المدينة كانت على ارتفاع منخفض وكانت درجة الحرارة بعد سقوطها على الأرض تتراوح بين 3000 إلى 4000 ومن شدة الحرارة أذابت كل شيء.
إننا نناشد العالم بعدم إنتاج مثل هذه الأسلحة الفتاكة التي تدمر البشر وتدمر الأرض وتحدث الأمراض، وحل الخلافات بالطرق السلمية هو أفضل حل بعيداً عن هذه الأسلحة، كما أن على الأمم المتحدة اتخاذ عقوبات بحق الدول التي تحاول تصنيع الأسلحة النووية خاصة الدول المتهورة.
عقب ذلك أخذنا المرشد السياحي بالمتحف السيد تويورو ماتسووؤ في جولة، وقال إن بناء هذا المتحف الكبير التاريخي بلغت تكلفته ما يقارب من 6 مليار و640 مليون ين، والمتحف يحتوي على معلومات عن الذين قضوا حتفهم في هذه المدينة ووضعت أسماؤهم في صندوق خاص ومعلومات عن أعمارهم وكيفية وفاتهم، والمعرض يحتوي على تاريخ مفصل عن أضرار هذه القنبلة التي سقطت على المدينة سواء في البشر أو في جميع الأشجار والمباني.
وقال إن من ضمن من أحرقوا من أثر هذه القنبلة سجناء محكوم عليهم بقضايا وكذلك عمال كانوا يعملون في مصانع داخل هذه المدينة، وقال إن هناك موانئ دمرت وسفن أحرقت ومولدات كهربائية دمرت ولم يبق شيء داخل المدينة.
وبين بأن هناك في المتحف رسومات تبين عدد القنابل النووية في العالم، حيث قال إن هناك ما يقارب من 19 ألف قنبلة ذرية ورأس نووي 80 % منها لدى أمريكا وروسيا وإسرائيل وبعض الدول في الغرب وآسيا، إنني أناشد العلماء بعدم إنتاج مثل هذه الأسلحة المدمرة والمشوهة والخطيرة على البيئة، كما نناشد الأمم المتحدة بالعمل على إزالة هذه الأسلحة الخطيرة على البشرية.
وقال إن القنبلة الذرية التي ألقيت على مدينة ناكازاكي في الساعة 11.02 صباحاً في يوم 9 آب (أغسطس) من عام 1945م (سنة 20 في عهد الإمبراطور شوا) حولت المدينة إلى خراب في لحظات وأودت بحياة الكثير من الناس الأبرياء.
حتى الأشخاص الذين كُتبت لهم النجاة من ذلك الانفجار المروِّع فهم يعانون من آثار عقلية وبدنية يتعذَّر الشفاء منها واضطرابات ناجمة من جراء تعرّضهم للإشعاعات، نحن ندرك خطورة تلك التضحيات والمعاناة ونقدِّم وقفة صمت حداداً لإحياء ذكرى القتلى، لقد أخذنا على أنفسنا عهداً بأن ننقل حقيقة الدمار الذي سببته القنبلة الذرية لبني البشر في اليابان والعالم، لنخبر الأجيال القادمة، حتى تستقي العبر من دروس التاريخ وتكافح من أجل بناء عالم مسالم خال من الأسلحة النووية.