محمد سليمان العنقري
قبل أيام كان لمعالي وزير الصناعة والثروة المعدنية تصريح نشر في صحيفة الاقتصادية ذكر فيه أن دراسة يتم العمل عليها مع وزارة المالية لدراسة وضع الشركات المتعثرة ماليًا، فبرنامج استدامة الشركات ودعمها قائم وتحت إشراف وزارة المالية لكن الصناعة تدخل في هذا الموضوع فقط بشأن الشركات الصناعية، وعلى الرغم من أن الوزير أوضح بأن من سيعمل على لعب الدور المالي بالدعم سيكون صندوق التنمية الصناعي مما يعني أن الآليات ستكون برامج تمويل وليست هبات أو منحًا بكل تأكيد لكن مثل هذا الإجراء وإن كان مهمًا ومؤثرًا إيجابًا لكن له بكل تأكيد تبعات مستقبلية من المهم النظر لها.
فعندما تكون هناك شركة متعثرة ماليًا لا بد من أن يقوم ملاكها بلعب الدور الرئيس لإنقاذها أو تصفيتها خصوصًا أن نظام الإفلاس بات معمولاً به في المملكة منذ عدة شهور، ففي هذه الحالة ما هو دور الدراسة التي ستجريها الوزارة وهل يفترض أن تحافظ على أي شركة متعثرة ماليًا إذا كان فيها خلل إداري أو منتجاتها باتت غير مرغوب بها والتنافسية لديها معدومة بسبب ضعف التقنية أو جودة المنتج أو ظهور بدائل أفضل من منتجاتهم؟ كما أن التدخل لإنقاذ الشركات ماليًا ليس هو الحل فقط إذا كنت ستعطي المال لإدارة تسببت بالمشكلة التي تعاني منها الشركة فهل سيكون لدى الوزارة ممثلة بالصندوق الصناعي أي قدرة على ضمان عدم تكرار الأخطاء التي أدت إلى تعثر الشركة؟ وهل يمكن بأي حال فعلاً تحديد من يحتاجون للدعم بدقة تضمن معها عودة الأموال التي سيتم تمويلهم بها، كما أن تحديد معايير واضحة لهذه الشركات التي يجب دعمها لا بد أن يتضمن بخلاف نوعية منتجاتها وأهميتها أن يكون لديها نسب توطين عالية لأننا بذلك ندعم استدامة العمالة الوطنية بوظائفها، أيضًا كم تغطي هذه الشركات بإنتاجها من حاجة السوق المحلي فنحن دولة مستوردة بنسب كبيرة حيث تتخطى الواردات حاجز الـ500 مليار ريال سنويًا ولدينا عجز بالميزان التجاري إذا استبعدنا الصادرات النفطية بأكثر من 60 في المائة، وأيضًا إذا كانت الشركة منتجاتها تصدر للخارج بحكم أن استخدامها محليًا محدود فلا بد إذا من معرفة حجم الصادرات وكم تؤثر في نسب التصدير للخارج وأيضًا السمعة التي تضيفها للمنتج المحلي.
وفي جانب آخر ذكر وزير الصناعة أن هناك شركات متعثرة لأسباب إما تقنية أو إدارية أو لجوانب تنظيمية وتشريعية وقال هذا ما تقوم به الوزارة، هنا لا بد من إيضاح حول هذه النقاط فما المقصود بتطوير التشريعات لوجود حالات تعثر أو إشكاليات تواجه بعض الشركات ألم يكن من الأساس على هذه الشركات أن تتكيف مع الأنظمة القائمة أم أن التغيير أو التطوير بالتشريعات سيخدم القطاع كاملاً بمعنى ألا يكون أي تغيير لاكتشاف حالات قد تكون استثناء إذا ما تم عمل مسح شامل لكل الشركات فإذا عانت 10 في المائة من الشركات من نقطة بأحد الأنظمة فإن 90 في المائة من الشركات تتماشى مع ذات النظام مما يعني أن أي تعديلات بالأنظمة لا بد أن تأخذ دورًا كاملاً من التقصي والتأكَّد من أن هذا التعديل سيخدم الأغلبية لأن القرار الجيد هو الذي يقلل من السلبيات ولا يمكن إلغاؤها بأي حال.
وقد يكون الاعتقاد بأن إنقاذ الشركات أمر ليس بالضروري وبالواقع فإن له أهمية بالغة في دعم الاقتصاد والحفاظ على مكتسباته واقتصاد المملكة يحتاج إلى نمو بالطاقة الاستيعابية وما زال يحتاج كثيرًا من الاستثمارات لزيادة الإنتاج المحلي فحجم الاستثمار بالقطاع الصناعي يقارب تريليون ريال ومن المهم مضاعفة هذا الرقم وذلك بدعم مسيرة الشركات القائمة بمثل أهمية استقطاب الاستثمارات الجديدة فما زال هناك مجال واسع لنمو الاستثمار الصناعي والحجم الحالي على ضخامته لكنه ما زال محدودًا إذا ما قارناه بحجم الناتج المحلي عند 2.9 تريليون ريال أو حجم السوق المالي عند 1.7 تريليون أو بالمقارنة بقيمة شركة واحدة هي أرامكو التي تقارب قيمتها 7.5 تريليون ريال أي أن حجم الاستثمار بالصناعة في المملكة يعادل 13 في المائة من قيمة «أرامكو» ولذلك فإن استدامة الشركات عامل مهم لجذب المزيد منها.
لكن مع كل ذلك يبقى السؤال كيف ولماذا تدعم شركات متعثرة ماليًا إذ إنه لن ينظر لهذا الدعم من زاوية واحدة فقط بل سيكون هناك تساؤلات حول استحقاقها للدعم وإذا كنا بسوق حر فيجب أن تحل الشركات مشكلاتها بنفسها حتى لا تصبح هي وغيرها إتكالية وتتراخى بتعزيز قوتها وملاءتها المالية وحتى لا يفتح المجال واسعًا أمام قطاعات عديدة تواجه فيه شركات نفس إشكاليات التعثر مما يعني أنه سيكون بابًا واسعًا لن يغلق وسيمثل عبئًا على صناديق التمويل الحكومية ويبطئ تحقيق الأهداف التنموية في وقتها المحدد فمن المهم وضع الضوابط للدعم وإعلانها حتى تتقلص الثقافة الريعية لدى قطاع الأعمال ويعتمد على نفسه ويستفيد من التحفيز الكبير المقدم له من الدولة بجوانب عديدة لا حصر لها.