د. أحمد الفراج
نواصل الحديث عن رؤساء أمريكا، وحديثنا اليوم عن الرئيس، رثرفورد هيز، الذي كان محاميًا مرموقًا من ولاية أوهايو العريقة، وعندما نشبت الحرب الأهلية، بين الولايات المتحدة الأمريكية والانفصاليين في الجنوب، خلع لباس الحقوقي، والتحق محاربًا مع القوات الفيدرالية، في جيش الرئيس التاريخي لينكولن، وكان مقاتلاً شرسًا، إِذ أصيب خمس مرات، كانت إحداها خطيرة، وذلك في معركة ساوث ماونتين في عام 1862، وكادت أن تودي بحياته، وبعد ذلك دخل المعترك السياسي، ففاز بمقعد في مجلس النواب، ثم ترشح لحاكمية الولاية، وفاز في عام 1868، وخدم فترتين متتاليتين، ثم ترشح مرة أخرى وفاز أيضًا، ففي أمريكا، هناك اعتبار خاص لأبطال الحروب، إِذ ينظر له الشعب كبطل قومي ووطني مخلص، خصوصًا عندما يكون شجاعًا، ويتلقى أكثر من إصابة وفي معارك مختلفة، مثلما حدث مع هذا الرئيس الجمهوري.
في عام 1876، ترشح للرئاسة، وقد خسر الأصوات الشعبية، أمام الديمقراطي، سامويل تيلدن، لكنه فاز بأصوات المندوبين، بعد خلافات ومعركة شرسة، مثلما حدث في عام 2000، عندما خسر الديمقراطي البرت آل قور أمام جورج بوش الابن، ومثلما حدث للديمقراطية هيلاري كلينتون أمام دونالد ترمب في عام 2016، فمن يحدد الفائز برئاسة أمريكا هي أصوات المندوبين، لا التصويت الشعبي، وهذا ربما من أكثر الموضوعات التي استفضت بالحديث عنها، ويظل عصيًا على الاستيعاب لدى المتابعين، وبعد دخوله البيت الأبيض، كانت له إنجازات كثيرة، أهمها سحب القوات الفيدرالية من الجنوب، الذي كان قد خسر الحرب الأهلية، وتحت ما يشبه الوصاية من الحكومة الفيدرالية في واشنطن، كما كان موقفه متقدمًا من قضية السود، وأحقيتهم في نيل حقوقهم، بعد تحريرهم من الرق، وأيضًا أسهم في تطوير الأنظمة المدنية، فقد كان ليبراليًا في مقابيس ذلك الزمان البعيد، وكان قد وعد الناخبين بأنه لن يترشح لفترة أخرى، وقد نفذ وعده، وعلى الرغم من كل هذا التاريخ الرئاسي الجيد، إلا أن المؤرخين يصنفونه في الوسط، بل في أدنى رؤساء الوسط، وكذلك فعلت الاستطلاعات الشعبية، بالرغم من أن هناك من مؤرخي العصر الحديث من يعتقد بأن هذا التصنيف مجحف بحقه، ولكن التاريخ كتب كلمته وانتهى الأمر!.