حمّاد السالمي
يقال في الأمثال العربية: (ثور وغبّر على قرنه).. في إشارة لمن يعادي الآخرين، ويتشفى بالقول والتحريض، وبهذه العداوة الفجّة؛ يلحق بنفسه الضرر دون غيره. هذا بالضبط ما ينطبق على الرئيس التركي (طيب رجب قردوغان)، العثماني الجديد، الحالم بخلافة عثمانية بتدبير وتزيين الإخوان المفسدين. قردوغان الحالم؛ بدأ أولى خطواته في حلم الخلافة؛ بلعبة الانقلاب المكشوفة، بهدف تصفية خصومه ومنافسي حزبه الحاكم، وإبعادهم عن الساحة السياسية. بموجب هذه المسرحية الليلية؛ قتل قردوغان وشرد وأبعد وسجن مئات آلاف الأتراك عسكريين ومدنيين. بعد أن صفا له الجو في الداخل؛ التفت للخارج، فسعى لدعم الفوضى والتخريب في مصر والسودان وليبيا، وسعى بكل وقاحة؛ إلى الإضرار سياسيًا بأكثر من قطر عربي، والمملكة العربية السعودية على وجه خاص، ثم توغل وأوغل في المشكل السوري، ووثق علاقاته مع المنظمات الإرهابية في سورية، مثل داعش والنصرة، واتجه بعد ذلك لضرب الأكراد على حدوده الشرقية، مستغلاً الأزمة السورية، وذهب بعيدًا في التعاون مع روسيا وإيران؛ انطلاقًا من الساحة السورية ضد الإرادة الدولية في عزمها على حلحلة أكثر من مشكل في المنطقة.
«بدأت عمليات خنق قردوغان بحزمة عقوبات اقتصادية أمريكية، وتلا ذلك البدء في إجراءات قضائية أوروبية ودولية ضد تركيا قردوغان؛ بسبب القتل المتعمد الذي مارسه الجيش التركي ضد السوريين والأكراد والأتراك المعارضين. هناك مواقف سياسية واقتصادية حكومية وشعبية من عدة أقطار عربية؛ أخذت تبرز ضد تركيا وسياستها المناكفة، ما عدا دويلة قطر المرتهنة للإخوان المفسدين، الدويلة التابعة لطهران وأنقرة، حتى أنها تسمح بقاعدة عسكرية تركية على أراضيها، وتمول حروب قردوغان ضد الأكراد والسوريين، وتمول المليشيات الإيرانية في العراق وسورية ولبنان واليمن.
الزلزال الذي بدأ يهز عرش الحالم بالخلافة العصملية الجديدة (قردوغان)؛ هو مذابح الأرمن الشهيرة.. تلك الإبادة الجماعية التاريخية التي تمت على أيدي الأتراك أثناء الحرب العالمية الأولى قبل مئة سنة.. جريمة بشعة حميدية غير محمودة، تمت فيها عمليات قتل وحرق واغتصاب وتشريد طالت أكثر من مليوني إنسان أرمني لا ذنب لهم إلا أنهم ليسوا من أصل تركي..؟!؛ إبادة جماعية لا يصح أن يسكت عنها المجتمع الدولي الذي ظل ينادي بمحاسبة مرتكبي مجزرة (الهولوكوست.. شواه) الذي ارتكبها الجيش النازي ضد اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية، وذهب ضحيتها بين ستة وعشرة ملايين إنسان يهودي ومئتي ألف من الغجر.
ما إن ارتفعت أصوات في الكونجرس الأمريكي وفي عواصم أوروبية منادية بفتح ملف الجريمة الكبرى ضد الأرمن؛ حتى جنّ جنون خليفة الخزي والعار في العصر الحديث (قردوغان). الثور التركي الأهوج الذي صدّق أنه خليفة منتظر؛ فراح يرقص وينثر الغبار على قرنه؛ أصبح اليوم في قفص الاتهام. قتل وتشريد وإرهاب للخصوم في الداخل التركي، وتدخلات صبيانية في أقطار عربية قريبة وبعيدة من حدوده، وقتل ممنهج للسوريين، وتوفير حاضنة لداعش والنصرة مقابل سرقة نفط سورية، وقتل آخر للأكراد السوريين والعراقيين. وعمل مخطط له مع إيران لتقزيم القطرين العربيين سورية والعراق، ثم تأتي الطامة الكبرى؛ حيث هو اليوم في مواجهة يقظة ملايين الأرمن من مهاجرهم في أمريكا وروسيا وأوروبا وغيرها، مطالبين بحقهم في قتل ملايين من أجدادهم على أيدي جيش الخلافة العثمانية سيئة السمعة. لقد اعترفت 30 دولة بـ(الإبادة الأرمنية) من بينها: (فرنسا وألمانيا وبلجيكا ولتوانيا وبلغاريا وهولندا وسويسرا واليونان والأرجنتين وأوروغواي وروسيا وسلوفاكيا والنمسا). إن هذه القضية تبدو شديدة الحساسية بالنسبة إلى تركيا في هذا الوقت بالذات، وخاصة في ظل العلاقات المتأزمة بين أنقرة وواشنطن على خلفية التوغل التركي في شمال شرقي سورية، فقد اعتبرت تركيا على لسان وزير خارجيتها (مولود جاويش أوغلو)، أن هذا التصويت جاء انتقاماً لهذا التوغل.
* من هم إذن الأرمن..؟ وما قضيتهم التي تحركت أخيرًا من واشنطن..؟
الأرمن: أمة ومجموعة عرقية أصليَّة تقيم في المرتفعات الأرمنية.. تتراوح أعداد الأرمن في العالم؛ بين ستة إلى ثمانية ملايين نسمة، وهم شعب له تراث ثقافي قديم.
يشكل الأرمن السكان الرئيسيين في أرمينيا وأرتساخ المستقلة.. هناك مهجر واسع النطاق يتشكل من حوالي 5 ملايين شخص من أصول أرمنية بشكل كامل أو جزئي، يعيشون خارج أرمينيا الحديثة. يوجد اليوم أكبر عدد من الأرمن في (روسيا، والولايات المتحدة، وفرنسا، وجورجيا، وإيران، وألمانيا، وأوكرانيا، ولبنان، والبرازيل، وسورية).. وباستثناء تركيا وإيران والدول السوفيتية السابقة؛ يشكل الشتات الأرمني في الوقت الحاضر؛ أساسًا؛ نتيجة للإبادة الجماعية لهم على أيدي الأتراك.
يقدر المؤرخون أن حوالي مليوني أرمني كانوا يعيشون في أراضي الدولة العثمانية مع بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914م. وبحلول سنة 1922م، انخفض عددهم إلى 400 ألف فقط. يقول الأرمن: إن أكثر من مليون ونصف من أسلافهم تعرضوا للتعذيب والاغتصاب ومصادرة الممتلكات. وسيق كثير منهم لمسافات طويلة عبر الجبال والسهول بلا طعام أو شراب. فكان من لم يُقتل في المذابح؛ مات جوعاً أو عطشًا أثناء عملية الترحيل إلى الصحراء في سورية.
أخيرًا.. لو أن الزعيم الأمريكي الإفريقي الأصل (مارتن لوثر كنج) حيّا حتى اليوم؛ لأعاد على مسامع (قردوغان) قولته الشهيرة: (لا شيء في العالم أخطر من الجهل الخالص، والغباء المتعمد).