استيقظت فزعة.. ظلام دامس يحيط بي... لا بد أن الكهرباء انقطعت مرة أخرى... تبًا لهذه الحرب اللعينة التي تأبى أن تنتهي.. أكره الظلام.. لذا أنام وبجانبي مصباح صغير أتركه مضيئًا طوال الليل.. أتحسس فراشي.. يبدو أبرد من المعتاد.. نسمات خفيفة تلامس وجهي.. ربما فتحت أمي الشباك فدخل الهواء البارد إلى غرفتي.. أتقلب وأحاول معاودة النوم.. أسمع أصوات بعيدة.. صافرات إنذار.. يبدو أن حريقًا اندلع في مكان ما.
تأخذني أفكاري إلى يوم أمس.. لم نذهب إلى المدرسة أنا وأختي.. قضينا اليوم نساعد أمي في المطبخ.. أعددنا كعكة جميلة لعيد ميلاد أبي.. رتبنا المنزل.. شرائط ورقية ملونة معلقة في كل مكان.. رغم أنها كانت كل ما نملك من زينة.. إلا أن منظر الغرفة كان مبهجًا جدًا.. ألوان قوس قزح.. أشعة الشمس المتسلِّلة من النوافذ الكبيرة.. ضحكات أخي الصغير.. ابتسامة أمي عطَّرت المكان بموسيقى ساحرة.. نظراتنا الشقية ونحن نعصب عيني أبي ونقوده معنا.. كنا نحيط بطاولة الطعام وأبي يدّعي ضاحكًا أنه يعجز عن إطفاء الشموع لنشاركه جميعًا في تلك المهمة الصعبة.. ليت الزمن توقف وبقينا في تلك اللحظة الدافئة إلى الأبد.
طال انقطاع الكهرباء.. ولم أسمع صوت أبي يعلو من غرفته القريبة كالمعتاد «لا تخافوا.. سيرجع النور قريبًا، تعالوا قربي إذا أحببتم».. ولم تأت أمي لتطمئن عليَ كعادتها.. تحمل شمعة كبيرة وتضعها بجانب سريري حتى لا أخاف.. وفي كل مرة كنت أخبرها أنني كبيرة.. عمري عشر سنوات ولا أخاف من الظلام.. وفي كل مرة كنت لا أخبرها أنني دائمًا انتظرها لتحضر الشمعة التي أدعي أنني لا أحتاجها.
أحاول النهوض لأتفقد أختي وأخي.. ربما غلب النوم أمي فلم تستيقظ هذه المرة.. لا يزال طعم الكعك على شفتي.. كم كان شهيًا.. خاصة تلك القطعة التي وضعها أبي بيده في فمي.. كانت حلوةً.. أكثر.. عائلتنا صغيرة.. أمي وأبي.. أختي وأخي وأنا.. كنت أكبر أخوتي.. نحب أن نقضي أغلب أوقاتنا معًا.. تنتشر صورنا على جدران منزلنا الصغير.. ملونة.. كانت حياتنا ملونة..
أزعجني الظلام كثيرًا.. يبدو أحلك من المعتاد.. فحملت دميتي وغادرت سريري وأنا أتلمس طريقي بصعوبة.. وكلمات متفرِّقة تحملها لي الرياح من مكان قريب..
.. توقف القصف..
.. أسرعوا..
.. لم ينجو أحد..
.. طفلة وحيدة..
.. يبدو أنها.. لا ترى..
** **
- شذى صابر