د. صالح بن سعد اللحيدان
قلَّ من العلماء المعاصرين علماء اللغة.. النحو من تحدث عن (البدل)، وهذا مما جعل هذا الباب ليس بذي بال يُذكر إلا ما يرد في ثنايا الكتابات دون الإشارة إليه.
لكن كبار علماء الحديث خلال القرون ذكروه لأهميته، ذكروه عرضاً دون شرح أو تفصيل (كالعيني) مثلاً.
والبدل من أساسيات بناء الكلمة وما تقوم عليه اللغة ويستقيم به اللسان المسلم كتابة وقراءة ومناقشة.
وهو ضلع كبير في العقل الاستقرائي الجيد لتقويم اللسان وتصحيح القول نطقاً وكتابة، وعلى هذا (فالبدل) حتى يتم فهمه ووعيه الممراد به «التابع لما قبله مقصود به النسبة دون سبب موجب» أي: دون واسطة معلومة، وهذا البيان يبعد في أساسيات الطرح النحوي التوكيد.. والنعت وكذا: عطف البيان لئلا يختلط هذا بذاك وهذا ما يحسن إدراكه اليوم
ولكي تتم صورة البدل على واجهة بينة لكافة (العلماء المعاصرين) فإن البدل أنواع لا بد لي من تحديدها طرداً بنسق مطرد لكن دون إسهاب من أنواع البدل مثلاً:
1- بدل ذكر الصفة أو (الاشتمال) نحو (أحببت في أبي رحمته) ومثل/ (لفت نظري في خالد صدقه)..
فالأب وخالد شيئان عامان لكن خصصت الرحمة والصدق فهاتان صفتان تابعتان للأب وخالد، فهذا اشتمال ظاهر وتقيس على هذا.
وقد أسفت كثيراً لمن ظن أن الرحمة في الأب والصدق في خالد أنهما حالان ولم يدر ولا أظن أنه يدري أنهما بدلا إشتمال بواضح من المعنى مبين.
2- الثاني من أنواع البدل:
بدل كل من كل أو الكل أو إن شئت العموم، وهذا النوع من البدل هو النصي في العموم المذكور، وذلك مثل (قرأت العلم على صديقك محمد وقدره أبداً)، ونحو (أدركت صاحبك عمره وأنظره حباً).
3- ومن الأنواع ..للبدل.. أيضاً بدل الجزء أو البعض من الكل، وهذا النوع في مسموع العرب ورد كثيراً وقام به القياس اللغوي ونطق به (اللسان المسلم)، وقد تأسفت كذلك من البعض أن هذا النوع من البدع يطلق عليه: (مفعولاً به)، وهذا يعود إلى عدم فقة اللغة ودلالاتها ومرامي اللسان على المراد الملفوظ.
ومثال هذا النوع مثل: (قرأت الكتاب ربعه)، وهذا مثال يقاس عليه ولا نكير، ولا يقال إن: (ربعه) مفعول به لأنه أصلاً جزء من المفعول به في سياقه مثل هذا وليس ثمة خلاف في علمه، فالتسمية (ببدل البعض) هذا وجهه سماعاً وقد جرى عليه القياس في طرح أمثلة وحالات المتقدمين.
ولكن من قال (بالمفعول به) لعله فاته حقائق تصنيف الحالات في نسقها ومعانيها من خلال تذوق اللغة والاستعداد الجيد لمرادها.
4- ومن الأنواع (البدل) البدل المغاير أو البدل المباين كما يسميه غير واحد من الأقدمين.
ولعله يتبين هذا من خلال ضرب المثال، وذلك نحو: (قرأت كتاباً ذهباً) فأنت تريد الإفادة أنك قرأت ذهباً من الحكمة والعلم الجليل. وهذا قد يطلق عليه بدل الإضراب، وهذا مفهوم من السياق بالضرورة.
ويدخل في هذا كذلك حسب تتبعي للمطولات: (بدل السهو) أو: (بدل الذهول) أو: (بدل سوء من النظر) مثل: (مررت بشاب ثعلباً) أو (ثعلب)، وهذا مفهوم من خلال التعريف لهذا النوع من البدل وخلال ذم (قارئي العزيز) فتدبر هذا وكن منه على بينه.
وهذا النوع من البدل أو ورده هنا للاعتبار ليس إلا.
وإلا فإن وروده قليل في طرح النحويين ولكن يلزم مني هنا بيان ما قد يقع فيه بعض أصحاب الرسائل العليا والكتاب من حصول بعض البدل وليس كذلك، وذلك مثل (نحن العلماء يكون لنا الخير من قبل ومن بعد)، فهذا لا يسمى بدلاً.
ونحو ما أورده ابن عقيل رحمة الله تعالى (تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا)، فهنا كمال قال (أولنا) بدل من الضمير المجرور باللام (نا)، فإن لم يدل على الإحاطة امتنع، وقد جاء بمثال مستقيم وجيد في الاعتبار نحو (رأيتك زيداً) ج2 ص252/ 253/ 354
فيعاد إلى هناك/ وإلى ابن هشام/ والكتاب لسيبويه شرح الإمام السيرافي، وكذا: العيني في (عمدة القارئ). وأجزم أن تواضع كبار النحويين من ذوي الخلق القويم وسداد النظر بطرح العلم الجيد بعيداً عن سوقية الألفاظ والتعالم والقص واللصق هو ما خلد العلم وجدد العقل وحفظ تراثهم وحفظ سماءهم على تجرم العهود المتطاولة.