أ.د.محمد بن حسن الزير
وهناك عناصر أساسية أخرى، على الاستراتيجية المنشودة، أن تضعها في حسبانها، وهي تستهدف حل جميع ما تواجهه اللغة العربية من مشكلات ومخاطر أخرى، تعطل فاعليتها وتأثيرها الإيجابي، وما تعيشه من واقع مؤسف؛ نذكر منها (بإيجاز):
1- مزاحمة اللغات الأجنبية: (الغزو اللغوي المستشري في عقر دار العربية) ومن مظاهر ذلك:
أ- الاهتمام بتعلم اللغة الأجنبية على حساب العربية، ونحن لسنا ضد تعلم اللغات الأجنبية؛ بل ندعو لتعلمها، وهو أمر محمود حين يكون في سياقه الحضاري، وفي مجاله، وضمن استراتيجية محددة مدروسة...، أما حين نعلم أبناءنا وبناتنا اللغة الأجنبية في مرحلة تعليمهم الأساسي، قبل أن تخلص إليهم لغت هم العربية، وتستوي على ألسنتهم، أو قبل أن نجعل العربية هي لغتنا في حياتنا الاجتماعية؛ فإن الأمر والحالة هذه يكون أمراً نُكْراً.
ب- سوق العمل تحتفي بالأجنبية على حساب العربية؛ فالإنجليزية على سبيل المثال لا يغيب اشتراطها في كثير من الأحيان على من يطلب الوظيفة، في الوقت الذي لا نجد مثل هذا الاشتراط من أجل توافر القدرة العربية والكفاية فيها، وهذا يدفع طالبي الحصول على العمل وأولياء أمورهم إلى الاندفاع نحو تعلم الأجنبية والزهد في العربية.
ج- التدريب بالأجنبية: فكثير من الدورات التدريبية والندوات والمؤتمرات تقام في البلاد العربية باللغة الأجنبية، وهذا فوق أنه يُقْصِي العربية، فإنه يحرم كثيراً من أبناء الوطن من الاستفادة من كثير من البرامج التدريبية في كثير من المجالات.
د- مزاحمة الأجنبية للعربية في الحياة الاجتماعية؛ فمن الظواهر البارزة في حياتنا اليومية ما نلقاه من هذا اللسان الأعجمي الذي يقرع أسماعنا في لغة الحياة اليومية، وفي الأسواق والمطارات والمطاعم، والفنادق، ويفرض نفسه في اللافتات الإعلانية والإرشادية وغير ذلك.
2- مزاحمة العاميات؛ فالعاميات شائعة في كل ميادين الحياة؛ بل نجدها ظاهرة على ألسنة المدرسين والأساتذة في دروسهم ومحاضراتهم وحواراتهم، وجاء في وثيقة بيروت: «يتم التدريس باللغة العربية في عدد من التخصصات الإنسانية، غير أن لغة التدريس تتم بالعامية، وبلهجات بعيدة عن المحتوى العلمي، وأيضا تتم العملية التعليمية بلغة غير صحيحة في الكتابة أو المحادثة أو القراءة أو عند وضع الاختبارات وتصحيحها «(انظر: المجلس الدولي للغة العربية؛ وثيقة بيروت، 22/3/2012، ص13).
3- غياب اشتراط إتقان العربية في التوظيف، أو الالتحاق بالجامعة، أو قياس القدرات.
4- تحديات العولمة؛ وهي تستهدف إحكام مؤثراتها المختلفة على مجتمعاتنا وثقافتها، بسبب طبيعتها التوسعية، وفرض وجودها في إطار موضوعي، وهي تستخدم لغتها، وتمكن لها للسيادة والهيمنة، وبالتالي تهميش العربية، ومحاولة جعلها لغة تابعة، وقد عبر «الرافعي» في أسى عن هذه الحالة حين قال: «ما ذلت لغة شعب إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار، ومن هذا يفرض الأجنبي المستعمر لغته فرضا على الأمة المستعمرة، ويركبهم بها، ويشعرهم عظمته فيها، ويستلحقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثة في عمل واحد؛ أما الأول: فحبس لغتهم في لغته سجناً مؤبداً، وأما الثاني: فحاكم على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً؛ وأما الثالث: فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرهم من بعدهم لأمرها تبع» (الرافعي؛ وحي القلم 3/33).
5- أخطاء الإعلام ومخاطره.
6- غياب مؤسسة، أو (هيئة وطنية متخصصة ذات مسؤولية محددة لرعاية العربية وحمايتها)؛ فلغتنا العربية تفتقد مؤسسة تقوم على صيانتها، وتتفقد أحوالها، وترعى شؤونها، وتراقب مسيرتها، وتدفع عنها غوائل المخاطر، وتذب عنها ظواهر الاستلاب والإقصاء، وتسعى لتمكينها في مناحي الحياة المختلفة ومناشطها وأفعالها المتنوعة، ومراقبة ذلك ومتابعة تمكنها وتمكينها في المجتمع في جميع المواقع.
المشكلة اللغوية في حياتنا مشكلة رئيسة وليست ثانوية.