د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
سأل صديقنا الدكتور عبدالله الوشمي مداعبًا أستاذنا الدكتور محمود الربيعي نائب رئيس مجمع اللغة العربية في القاهرة؛ سأله عن معنى الفعل (نَتَعَ) كما في قولهم (نتع السيارة)، والدكتور الربيعي مصري يستحضر قول عامتهم عن المرأة الحامل، يقولون (ربنا ينتعها بالسلامة)، ولعل هذا من الفعل (متع) وكنت في إقامتي في القاهرة سمعت العامة يقلبون الميم نونًا في (فاطمة) فطْنة)، (محكمة) محكنة)، وكان ما دار من حديث دافًا لمراجعة المعجم العربي بحثًا عن جملة الأفعال المقاربة للفعل (نتع) فاجتمع عندي قدر صالح منها، وهي تدور في معناها العام على الخروج أو الإخراج بشدّ أو جذب أو برفق، من ذلك ما جاء على النون والتاء وما يثلثهما مثل: «(نَتَجَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْجِيمُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، هِيَ النِّتَاجُ. وَنُتِجَتِ النَّاقَةُ؛ وَنَتَجَهَا أَهْلُهَا. وَفَرَسٌ نَتُوجٌ: اسْتَبَانَ نِتَاجُهَا»(1). و(نَتَحَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْحَاءُ. نَتَحَ الْعَرَقُ: رَشَحَ. وَمَنَاتِحُ الْعَرَقِ: مَخَارِجُهُ. وَنَتَحَ النِّحْيُ: رَشَحَ أَيْضًا»(2). و»(نَتَخَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْخَاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ. وَنَتَخَ الشَّوْكَةَ مِنَ الرِّجْلِ بِالْمِنْتَاخِ، أَيْ الْمِنْقَاشِ. وَنَتَخَ الْبَازِي اللَّحْمَ بِمِنْسَرِهِ، وَنَتَخَ ضِرْسَهُ: انْتَزَعَهُ. قَالَ زُهَيْرٌ:
تَتْرُكُ أَفْلَاءَهَا فِي كُلِّ مَنْزِلَةٍ ... تَنْتَخُ أَعْيُنَهَا الْعِقْبَانُ وَالرَّخَمُ»(3).
و»(نَتَرَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالرَّاءُ كَلِمَةٌ تَدُلُّ عَلَى جَذْبِ شَيْءٍ. وَالنَّتْرُ: جَذْبٌ فِيهِ جَفْوَةٌ»(4)، والعامة يستعملون الفعل (يناتر) لكلام الغاضب الذي يتقطع كلامه من شدة غضبه. و»النَّتشُ: إخراج الشوك بالمنتاش. والمنتاش: تسمِّية العامّة من الناس المِنْقاش، وهو الذي ينتف به الشَّعر. والنَّتشُ: جذبُ اللَّحم ونحوه قرصًا ونهشًا»(5). و(نَتَفَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْفَاءُ: أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى مَرْطِ شَيْءٍ. وَنَتَفَ الشَّعْرَ وَغَيْرَهُ يَنْتِفُهُ. وَالْمِنْتَافُ: الْمِنْقَاشُ. وَالنُّتَافَةُ: مَا سَقَطَ مِنَ الشَّيْءِ إِذَا نُتِفَ. وَالنُّتْفَةُ: مَا نَتَفْتَهُ بِأَصَابِعِكَ مِنْ نَبْتٍ أَوْ غَيْرِهِ. وَرَجُلٌ نُتَفَةٌ: يَنْتِفُ مِنَ الْعِلْمِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَقْصِيهِ»(6). و(نَتَقَ) النُّونُ وَالتَّاءُ وَالْقَافُ أَصْلٌ يَدُلُّ عَلَى جَذْبِ شَيْءٍ وَزَعْزَعَتِهِ وَقَلْعِهِ مِنْ أَصْلِهِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: نَتَقْتُ الْغَرْبَ مِنَ الْبِئْرِ: جَذَبْتُهُ»(7)، وتستعمل عامتنا الفعل (نتق) للخروج السريع المندفع. و»النَّتكُ: كسر الشيء تقبض عليه ثم تجذبه إليك بجفوة»(8). «والنَّتْل: الجَذْبُ إلى قُدُم، واستَنْتَلَ الرجلُ من بين أصحابه أي تَقَدَّمَ. ونَتَلتُ الجِرابَ: نَثَرتُ ما فيها»(9).
وهنا أعود إلى عنوان الموضوع وهو الفعل (نطل) بين لهجتين، وهو أمر هاتفني له أستاذنا الدكتور عبدالله الوليعي، فأشار إلى استعمال أهل القصيم الفعل بمعنى (سرق) بخلاف استعمال غيرهم بمعنى (ألقى الشيء بإهمال)، ورأى أنّ الفعل (نطل) بمعنى سرق من الفعل العربي المهمل استعماله الآن وهو (ندل)، و»النَدْلُ: النَقْلُ والاختلاس. يقال: ندلت الشيء وندلت الدلو، إذا أخرجتها من البئر. والرجل مِندل بكسر الميم. وقال يصف ركبًا ويمدح قوم دارين بالجود:
يمرون بالدهنا خفافًا عيابهم... ويخرجن من دارين بجرَ الحقائب
على حينَ ألهى الناسَ جُلُّ أمورهم... فندلًا زريقُ المالَ ندلَ الثعالب
يقول: اندلي يا زريق، وهي قبيلة»(10).
وليس قول أستاذنا الوليعي ببعيد؛ إذ التاء والدال والطاء من مخرج واحد، والطاء قديمًا هي النظير المطبق للدال، فالفرق بينهما الإطباق، ويؤيد هذا أنّ العامة تنطق اللفظ (دعس)، أي الكثيب من الرمل، بالطاء فيقولون (طعس) وجمعها (طعوس).
وأما المعنى الآخر للفعل (نطل) فلست أجد له أصلًا واضحًا، ولعله مأخوذ من الفعل (طلّ)، «وَ(طَلَّهُ) اللَّهُ تَعَالَى وَ(أَطَلَّهُ) أَهْدَرَهُ»(11). فلعله تخفف من التضعيف بحذف اللام، وعوض عن ذلك بالنون.
ــــــــــــــــ
(1) ابن فارس، مقاييس اللغة، 5: 386.
(2) ابن فارس، مقاييس اللغة، 5: 386.
(3) ابن فارس، مقاييس اللغة، 5: 386.
(4) ابن فارس، مقاييس اللغة، 5: 386.
(5) الخليل، العين، 6: 246.
(6) ابن فارس، مقاييس اللغة، 5: 387.
(7) ابن فارس، مقاييس اللغة، 5: 387.
(8) الخليل، العين، 5: 339.
(9) الخليل، العين، 8: 120.
(10) الجوهري، الصحاح، 5: 1827.
(11) الرازي، مختار الصحاح، (ط/ل/ل).