د. حسن بن فهد الهويمل
أُعجِب أخونا الأعز الدكتور/ عبد الواحد الحميد حين نفيتُ عن نفسي الشاعرية، في بعض الاستطلاعات، وإن نظمتُ المقطعات الشعرية الموهمة بالشاعرية، والموهبة، مثل قصيدة:-
بلد أصاب فجاجها إعصار
فسماؤها مسجورة غبراء
عندما عينت مدرساً في التسعينات من القرن الهجري الماضي، في إحدى محافظات الرياض. أنا أومن بالموهبة، لا شاعر عندي من دون موهبة، ولا شعر عندي من دون موقف ضاغط، وثقافة عميقة، وخيال مجنح، ومجاز، وإيجاز، وصور، وإلماح، لا تفصيل ولغة شاعرة بذاتها، وحرية منضبطة، وأجواء ملائمة. دواوين شعرية بالآلاف، لا تساوي المداد الذي كتبت به. أدعياؤها إما: مقتدرون، لا موهوبون، أو أدعياء متصطحون. لغة شائعة، وتراكيب ركيكة، وصور باهتة، وغموض متكلف. وإذا قيلت لهم كلمة الحق، ثاروا، وماروا، واتهموا الناصح الأمين: بالجهل، والتحامل، والحسد. لو صدق النقاد، وقالوا كلمة الحق، لعرف كل إنسان حجمه، ولما أصبح المشهد ملعباً لبغاث الطير.
صحيح أن الموهبة في بدايتها غضة طرية. وأن لكل شاعر شعر صبا. قال جرير عن ابن أبي ربيعة:-
(ما زال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر..) ولكن الموهبة حين لا تصقل تظل في طفولتها.
كثير من الشعراء أحرقوا شعر الطفولة لأنهم رأوه دون ما يؤملون. وكثير منهم نفوه، (الشوقيات المجهولة) أكثر من الشوقيات المنشورة، جمعت ونشرت. وفيها قصائد جميلة. ما نقصده، ونضيق به شعر الشباب، والكهولة. حين يكون دون المؤمل.
النقاد أمناء المشهد الأدبي، فإذا فُقدت الأمانة، اختلط الحابل بالنابل. ولهذا تقرأ كلامًا لا تدري: أهو شعر، أو نثر. الكارثة أن تجد من يثني، ويزكي. بل ويتفانى في الدفاع، والرهان. الناقد في المشهد كالقاضي في المحكمة، واجبه العدل، وقول الحق. لا تصلح المشاهد فوضى، ولا تصلح الفنون بدون حماة يذودون عن حياضها. قل ما تشاء، ولكن لا تمنح قولك الصفة التي تشاء.
(الفن) له ضوبطه، ومحققاته:-
(والشعر صعب، وطويل سلمه) ومشاهده مليئة بالأدعياء، الذين لم يقولوا شيئًا بعد. لا ننفي الرداءة، ولا نستبعد العثرات:- جيد (المتنبي) أجود الشعر، ورديئه أردأ الشعر، وشعر صباه دون الجيد. عندنا توسط، وقبول، ولكن بمقدار.
ذهب سلطان الشعر، وانتهك حماه، فإلى الله المشتكى..!