«الجزيرة الثقافية» - محمد هليل الرويلي:
«ورقادي» شاخصة يا أعرابي بين مدننا حتى زمننا الآني, جدرها الشهيرة شاهدة ومشاهدة على حضارتنا القديمة. مدنٌ بناها أسلافنا أثبتت الحفريات والاكتشافات الحديثة جوانب منها, وما تم العثور عليه من رُقمٍ ولقى أثرية تحمل منقوشات تزيد يقينًا فوق يقيننا توصل المجتمعات القاطنة في الأرض الصومالية لأبجدية خاصة بهم منذ آلاف السنين, ألا ليتنا يا أعرابي نجد من يزيل الغموض الذي غطى مراحلنا الطويلة ويفك طلاسم مدونات المصريين القدماء والآشوريين وحديثهم القديم عن علاقتهم بمملكة الـ(بونت), وسجل في رقيمك يا أعرابي, ما ورد في المتون من إن الملكة الفرعونية (حتشبستوت) 1458-1508, حرصت على أن تقوم بزيارة خاصة بعد أن انقطعت زيارات آبائها لتؤكد فيها على حجم العلاقات في مجالات السياسة والاقتصاد مع مملكتنا (بونت), وسجل أن تُجّارنا مهروا بصمتهم في البحر مستعملين (بيدن), إن قلت يا أعرابي وما لبيدن؟ سنقول لك هي سفننا التي ملأنا فيها ماء البحر عرضًا وطولًا, حتى وصلنا أوصلناها سواحل خليج «دلمون» وبلاد سومر في الرافدين وسبرنا بها أغوار وأسرار طريق الحرير والقرنفل للهند والصين, وإن يممت وجهك لذلك الصوب أوصَلْناك ووصلناك بالخلجان الأندلسية, إن كنت تروم الروم وإن فضلت العودة لمصر عادت بك (بيادننا), لمصر.
أما والله يا أعرابي إن ما في جنوب بلاد العرب من الناس فارعته أطول من أجدادنا (المكروبيون), يوم كانت حياتهم الرغيدة تجري في أعنتها جالبين من خيرات الذهب والعاج, والأخشاب والعطور والبخور, فإن جرفتك اليوم قحافنا المريرة, وانقلبنا من حال كانت لنا, فما يخفاك أن الأيام دول وإنا قادمون مشرقون, لكن إن سألت ومنهم أجدادكم المكروبيون؟ فهنا سنحيلك لما ذكره «هيرودوت» أبو التاريخ, في بعض ما ورد في شأننا في الألف الأولى قبل الميلاد: أسلاف الصوماليين «المكروبيون», أطول الناس قامة وأوسم أهل الأرض, ولا تسألنا بعدها ماذا فعل ملكنا بملك فارس, وكيف تحديناهم بسخرية أن يغزوا أرضنا, ولا تسألنا يا أعرابي كيف كنا نوثق أسرانا بسلاسل الذهب.. فما هي سوى شذرات من ذاكرة تاريخ صومالنا وحضارتنا العريقة فتش عنها وعنا بين كتبك وستجد أنّا تقدمنا بعلوم الطب وبرعنا بفنون التحنيط والكيمياء. لكن دعك ودع ما دونته الشعوب القديمة وإن كان ما يزال بعضها محفوظ ليومنا هذا باسمه كمدننا زيلع, بربرة, بوصاصو, حافون, كيسمايو, مقديشو. وقل لنا بربك يا أعرابي هل أعجبك تمثال رامي الحجر «طغح نور» التمثال الذي يرمز للمناضلين الذين استشهدوا إبان الاستعمار الإيطالي, نراكم أبرزتم صورته في الجزء السابق, وإلى جانبه تمثال رابطة الشباب الصومالي, لذلك الرجل المثقف الصومالي وبيده كتاب..
قبل أن يجيب -صاحبكم- الأعرابي ألقى نظرة لها معنى على صور «الجزء الثاني» وقال: قُرّاء (الجزيرة الثقافية), ربما وضعت بين أيديكم الدرس الصومالي وجوانب مما ندرك أنه خفي على القارئ العربي. ورسالة واضحة مفادها هنا الصومال, أصحاب الدم المقاوم من أجل هويته العربية, هنا الجليلين جليين, أصحاب عقول نيرة باحثين عن حكمة تقرب لا تفرق مناهضين ضد التشرذم والنزاع والصراع في كل مرحلة قاوموا فيها المستعمر والفقر والجهل والمرض.
سمات المجتمع الصومالي
في هذا العدد المخصص للصومال, نستعرض بعضًا من الجوانب المهمة والسمات التي كان لها دور فاعل في دفع روافد عجلة الأدب والثقافة العربية الصومالية وتسريعها, أو ما كان -كما يصف الكتاب- أحد أسباب تعثرها وتأخرها في المراحل السابقة.
بداية قال مدير مركز هرجيسا للدراسات والبحوث والإعلام الأستاذ محمود محمد حسن: المجتمع الصومالي في أبسط تفصيلاته ينقسم إلى فئتين رئيسيتين، فئة ذات النمطي الحياتي البدوي وما يترافق معه من ترحال، وفئة النمطي الحضري الذي يضم شرائح متخصصة في الزراعة والحرف كالصناعات المعدنية والصيد البحري وما إلى ذلك. ومع وجود هذا التنوع الاجتماعي الغني، فإنّ الفئات البدوية هي السائدة في البلاد، نتيجة لغلبتها العددية، وما تضمنه لها العصبيات «الفزعة» من ضمان لأمنها وتمددها، وقدرتها على «ضمّ» العناصر الأخرى عبر التحالف والمصاهرة كما يحدث دائمًا، أو عبر الإخضاع والتهميش في حالات أخرى.
وأضاف: يكون بدء الصوماليين باكرًا بتربية الإبل قبل أزيد من أربعة آلاف وخمسمائة سنة، إمّا بمبادرتهم باستئناس تلك الكائنات الجميلة أو دخولها إلى البلاد عبر جنوب جزيرة العرب، قد يكون استئناسهم لها استجابة للتغيرات البيئية في منطقة تميل منذ عشرات القرون إلى الجفاف والتصحر المتزايد، مؤثرًا أساسيًا في طريقة عيش الإنسان الصومالي على أرضه، ومساهمة العامل الاقتصادي كأحد المؤثرات الأهم في نشأت المجتمعات الصومالية، وأخذها المناحي التي أخذتها في الولادة والتطوّر.
القبيلة لدى الصوماليين
وأشار «حسن» لمقولة أحد حكماء الصومال لما رأى حال شعبه: «أغلى ما لدى الصومالي في الحياة ثلاثة أمور، الإسلام وقطيع الإبل، وابن العم. فإن خيّر بين أن يدع واحدة ويحتفظ باثنتين، بحث عن رخصة في الدين واحتفظ بالإبل وابن العم، وإن خُيِّر بين الإبل وابن العم، تخلّى عن الإبل واحتفظ بابن العم، بل وإن خُيّر بين حياته ذاتها وابن عمّه، ضحّى بها وفضّل ابن العم!».
عُرفهم الجامع «حَيْرَ»
وأكد مدير (مركز هرجيسا) محمود محمد حسن: أن القبيلة لدى الصوماليين لا تبتعد في جوهرها ومظاهرها عن ما هو معتاد لدى بقية الشعوب البدوية سواءً العرب أو منطقة الساحل الإفريقي وأواسط آسيا، من حيث قيامها مبتدءًا على وجود «رواية» تتحدث عن سلف أكبر مشترك لمجموعات محددة من الناس، توفر دواعي منطقية لتضامنهم، وأن يكون لهم «عرف قبلي جامع» يسمّى بالصومالية «حَيْرَ»، إذ يشير الباحث (أبوكر علي) إلى أقدميّة القانون العرفي القبلي الصومالي على دخول الإسلام إلى البلاد، وأنّ شدّة تقارب الشريعة و«الحير» في تعاملهما مع الجرائم الكبرى الأشد تأثيرًا على القبائل، كأحكام الدم والقصاص والدية والقود، ساهم في تقبل الصوماليين للإسلام باكرًا. كما يقول الباحث الهولندي «كيث سبنسر ماك.كالوم» في معرض حديثه عن القانون العرفي الصومالي: (إن ما يشترك فيه هذا الشعب، حتى أكثر من اللغة واحدة، ونمط الحياة، والخصائص المادية، إنما هو بنية من القانون العرفي الـ»حَيْر»، الذي يختلف من عشيرة إلى أخرى، وإن كانت اختلافات غير أساسية، مثل أساطير نشأة تلك العشائر، ولكن تلك البنية القانونية موحدة بشكل ملحوظ فيما يتعلق بتوفيرها الحماية للأشخاص والممتلكات. والـ»حَيْر» يوفر سيادة للقانون – العرفي -، وهو ما يسمح بالسفر الآمن، والتجارة، والزواج، وما إلى ذلك، في جميع أنحاء الإقليم. ويكون الـ«حَيْر» حاظيًا بأعلى درجات الصيانة).
المرأة في المجتمع الصومالي
أما عن دور المرأة الصومالية ودلالات حضورها وإسهاماتها وتأثيرها الفاعل فقال: للمرأة في المجتمع الصومالي مكانة عالية فإليها تنتمي الملكات «عتي» و»أراويلو»، وقوائم تطول من الشاعرات والحكيمات، ومن خلال تتبعنا للمقولات السائدة فإننا سنجد إحدى القبائل الصومالية توصف بأن «ليس فيهم أحمق»، وبرر أحد كبارها ذلك بأنهم «لا يقطعون في أمر مهم خاصّ أو عام دون مشاورة نسائهم»، إذ أن حقوقها كإنسان مستقل وكامل الأهلية محفوظة إلى حدّ بعيد، بصورة تفوق عموماً نظيراتها في المحيط الإفريقي والعربي. فهي مرشّح رئاسي وقيادي حزبي، ووزير وضابط أمن وطيار حربي، ومندوب دائم لدى الأمم المتحدة ممثلة لبلدها، وسيدة أعمال تجوب العالم، وعداءة ولاعبة كرة سلة، ومطربة ومسرحية، وفقيهة يسافر العلماء لتلقي العلم منها، تنظم القصائد بفنّ شعري خاص بها الـ«برامبر»، الذي لا تشاركها في التفرد بمثله سوى المرأة الموريتانية بفنها الشعري «التبراع».
الفنون السّاكنة الصومالية
أوضح الباحث والكاتب الصومالي «عبدالرزاق أحمد واييل: أن الصوماليون القدامى برعوا في هذا النوع من الفنّ (الفنون السّاكنة الصومالية العمارة, التّصوير, فنّ النّحت), وبلغوا منها مبلغاً عظيماً، فأبدعوا بنحت الصخور وخلدوا الرُّسوم في الكهوف بصورة أبهرت أهل الفنّ وجعلتهم يحتفون بها أشد الاحتفاء. مشيرًا لما اكتشفه فريق آثار فرنسي في عام 2002 في كهوف (لاس جيل) التي تقع في مدينة (هرجيسا) شمال الصومال من رسوم تعود إلى عام 9000 ق.م، وهي عبارة عن رسوم لِمَواشٍ ورعاة غنم نُحِتَتْ في الصخور بصورة حية بارعة تَعْكسُ حياة الرَّعي والرُّعاة في تلك الحقبة الزمنية.
وأبدعوا كذلك في فنّ العمارة حيث تشهد المدن الساحلية لمساتهم السِّحرية وتكْشِف عن أبْنِيتهم المُرَصَّعة بالأحجار الكريمة والمُزيَّنة بالنُّقوش الجميلة وهي مع ذلك صلبة تقاوم التغيرات المناخية عصِيَّةً علي العفاء.
الطَّانتو ورقصة الزَّيْلِعي والوِلِسِقو
وأضاف: أما في الفنون الحركيّة (الرّقص والغناء والموسيقى), فقد اشتهر الصوماليون بالرَّقصات الشَّعبيّة الجميلة وهي من أقدم الفنون التي توارثتها الأجيال عن بعضها، منها رقصة الطَّانتو ورقصة الزَّيْلِعي ورقصة الوِلِسِقو.. وغيرها من الرقصات. عندما يهطل المطر وتمتلئ الأودية تتزيّن الأرض وتتزخْرف كحَسناءَ فاتنة، وحين يسدل الليل ستاره ويرسل القمر ضوءه وتتزاحم النجوم في السماء يخرج أهل القرية إلي فناء واسع يشرعون في اللعب والمرح.
هذه الرقصات الشعبية ليست عبارة عن حركات جسدية فقط وإنما عبارة عن إيقاعات منتظمة وأشعار عذبة يُتَغنّي بها أثناء اللعب، ولا يكون الشخص حاذقا في اللعبة بارعا في الرقصة مشارا إليه بالبنان متميزاً عن الأقران حتى يكون مرِناً مُتْقناً للحركات الجسدية مُفْعماً بالحيَوِيّة والنّشاط حسَن الاختيار للألفاظ حسَن الصّوت والمنطق فإذا زاد على ذلك معرفة مداخل قلوب العذارى وحُسْن التَّغزُّل إليهنّ كان نجْمهُ ساطعاً وحظُّه ناصعاً. وتابع: كما يتشارك الأولاد والفتيات اللعبة ففي بعض الأحيان يتبادلون بينهم الألغاز والأحاجي، وتتميز اللعبة بالحماس الكبير، فعندما تتداخل الأصوات وتعلوا الأهازيج وتنتظم الحركة وتزغرد الفتيات ينشأ من هذا إيقاع جميل، فيتسلل إلي النفس شعور عذب يُصْهِر الكبد ويُلْهِب الدّم ويُغيبُ العقل ويُذْهِبُ الهيْبة. ومما يُسْتظْرف أنه كان هناك امرأة تحسن اللعب في أيام شبابها ثم أدركها الكِبرُ والوَهنُ، ومرضت رجلها فلم تعد تقوي علي اللعب، وفي ليلة باردة ذات سماء صافية وقمر مضيء، ارتفعت أصوات المغنين واهتزت القرية من ضرب الأقدام على الأرض، فتناولت عصاها وانطلقت إلي الملعب لتتفرج على اللعبة رغم تحذير أهلها من مغبة هذا الأمر، وما إن وقع عينها على المنظر حتى سرَتْ رعدةٌ في جسدها جسدها ودبّت النّشْوة في عظامها، فما كان منها إلا أن رمت العصا وقذفت نفسها في وسط اللعب وهي تردد «فلتنكسر الرجل.. فلتنكسر وتتفتت» فانكسرت قدمها إلا أنها لم تبال طالما مارست لعبتها المفضلة. أما الفنون الشعريّة وتتضمّن فنون الشّعر التمثيليّة، والكوميديّة، والشّعر القصصيّ والغنائيّ، وتجمع هذه الأنواع من الفنون جانب الفن الأدبيّ وجانب الغناء والموسيقى.
أمهاتهم أرضعْنهم الأغاني
وتناول «واييل» الفن الغنائي المتردد في شتى أنحاء خارطة المناطق الصومالية وبمختلف أنماط الذائقة الناشئة من أصوات جسدتها الأمهات الصوماليات في ذاكرة أطفالهن وقال: الأم الصومالية تُغَنِّي لابنها منذ الولادة حتى كأنه يرضعها مع الحليب، ولكل مرحلة من مراحله العمرية أغنية خاصة تسليه وتؤنسه، وهناك أغاني خاصة للأشغال اليومية كالحراثة والرعي والصيد تُخَفِّف عن صاحبها التعب والنصب وتمنحه القوة الكافية للاستمرار في العمل.
وقد ساهمت الأغنية كذلك في رفع معنويات الجيش أثناء الحروب المتعددة التي خاضتها الصومال مع جارتها إثيوبيا، بل كانت السلاح الأبرز ولم تكن أقل أهمية عن المدافع والراجمات, حتى قيل إنه لا يوجد على ظهر الأرض أشجع من جندي صومالي تحرضه فتاة مغنية ذات حنجرة ذهبية.
«إفريقيا أيتها النائمة»
وزاد: من أبرز القضايا التي شجت بها الأغاني الصومالية على المستوى المحلي والعربي والإفريقي والعالمي, إذ لم تقتصر الأغنية الصومالية على القضايا محلية وإنما تناولت قضايا عالمية وعربية أيضاً أشهرها القضية الفلسطينية حيث أدانوا العدوان الصهيوني الغاصب أشد الإدانة وحرضوا العرب على مقاومة هذا الاحتلال، ومن أشهر من غنّي لهذه القضية الفنان المخضرم حسن آدم سمتر أيام النكبة.. وركزت الأغاني أيضاً على القضايا الإفريقية وحثت الشعوب الإفريقية علي محاربة الاستعمار، ومن أشهر هذه الأغاني أغنية «إفريقيا أيتها النائمة» للفنانة المخضرمة حليمة خليف مغول:
إفريقيا أيتها النائمة
لقد حاصرك العدو
أما أبطالك
فقد أكلتهم الطير
كما أن هناك بعض الفنانين الذين غنّوا بلغات مختلفة منهم الفنان القدير محمد سليمان تُبَيْع الذي لقب بملك الأصوات وله بعض الأغاني باللغة العربية.
في نهاية المقال أود أن أذكر أن وجود الفنّ في الصومال كان مرتبطا بوجود الإنسان فهو جزء أصيلٌ من ترْكيبة الشعب ولهذا صُنِّفت اللغة الصومالية بأنها لغة شاعرية ذات جذور عريقة، ورغم ما حدث في البلد من ظروف صعْبة لا زال علم الفنّ يرفرف عاليا في سماء الوطن.
نار وطبول وحمام زاجل
يعتبر الإعلام أو الاتصال من الحاجات الأساسية التي لا يستغني الإنسان عنها مطلقا حيث أن حركة الحياة لا تستقيم إلا بها سواء في التواصل بين أفراد المجتمع، أو التواصل مع الحضارات والأمم الأخرى. من هذا المدخل تناول الكاتب والإعلامي «عبدالرحمن سهل يوسف» الحركة الإعلامية الصومالية مبينًا: أن الصوماليون استخدموا في العصور القديمة الوسائل التقليدية شأنهم في ذلك شأن الصينيين، والفراعنة، والإغريقيين، والفارسيين، والهنود، والبابليين، وغيرهم حيث توثّق كتب التاريخ علاقة الصوماليين مع حضارات الأمم سالفة الذكر. فمن بين الوسائل التقليدية المشهورة في العصور القديمة استخدام الطبول، والنار حيث يشعل في رأس الجبل، والحمام الزاجل، والأشخاص لنقل الرسائل، والشعر الذي يعتبر أهم وسيلة حفظت التراث والتاريخ الصومالي القديم والحديث.
وأضاف: في العصر الحديث مرت الحركة الإعلامية الصومالية بمراحل مختلفة من بينها: مرحلة الاستعمار الأوربي ومرحلة الاستقلال والحكم المدني 1960م, مرحلة الدولة العسكرية 1969-1991م، ومرحلة انهيار الدولة الصومالية والحكومات الانتقالية 1991-2012م، ومرحلة الحكم المدني الجديد 2012-2018م.
فقد كانت الحركة الإعلامية الصومالية في عهد الاستعمار الأوربي بدائية،ولم تكن حرية الصحافة مكفولة ومتاحة للحركة الوطنية التي قادت النضال السياسي ضد الاستعمارين الإيطالي في الجنوب، والبريطاني في الشمال, وتميزت في تلك الفترة بنشر المبادئ والأفكار المعادية للاستعمار، ورفع مستوى الوعي السياسي، وتعزيز الروح الوطنية في الحركة الوطنية من أجل انتزاع الاستقلال. وحظيت اللغة العربية بالاهتمام والرعاية باعتمادها في مواجهة الاستعمار والمحافظة على الوحدة الوطنية.
وتابع قائلاً: أن من بين أشهر الصحف الصادرة في فترة الاستعمار جريدة «حامل أخبار الصومال» الموالية للاستعمار البريطاني في الشمال 1953م، وصحيفة «كورييري ديلا صوماليا» الموالية للاستعمار الإيطالي في الجنوب 1927م. أما صحيفة قرن إفريقيا الناطقة باسم حزب الرابطة الوطنية التقدمي عام 1957م فقد لعبت دورا محوريا في نضال الشعب الصومالي المناوئ للاستعمار والقبلية والإقليمية وكان يرأس هذه الصحيفة الصحفي الصومالي عمر عبدالرحمن. أما صحيفة اللواء الناطقة باللغة العربية كانت تابعة لحزب الجبهة الوطنية المنتصرة الموالية للاستعمار البريطاني. وفي الجنوب أصدرت الحركة الوطنية صحفا عدة باللغة العربية ومنها صحيفة الوحدة 1958م, وكانت تنطق بحزب وحدة الشباب الصومالي الحزب الرائد الذي قاد الشعب الصومالي نحو الاستقلال.
وفي المجال الإذاعي بين «يوسف»: أن الإذاعة المسموعة بدأت حين أطلق الاستعمار البريطاني خدمة إذاعة هرجيسا عام 1941م، بينما أنشأ الاستعمار الإيطالي إذاعة مقديشو 1943م، بعد ذلك وصلت المطبعة الحديثة إلى شمال الصومال 1959م، بإشراف من الاستعمار البريطاني، كما أفتتح الإيطاليون مطبعة أخرى. إن الحركة الإعلامية ساهمت في تعزيز الثقافة العربية في الصومال، إذ كانت تعبر عن تطلعات الشعب رغم محاولات الاستعمار إجهاض هذا التوجه الإعلامي الوطني. يمكن القول أن لملامح الحركة الإعلامية في عهد الاستعمار عدة توجهات ما بين الطابع القومي الذي ينادي بوحدة الصومال، والموالاة للاستعمار إذ كان الاستعمار يصدر العديد من الصحف حينها، كما كان من بين ملامحها وتوجهاتها التحرر والنضال من أجل الحربة، إضافة للدور الفاعل في أن تحتل اللغة العربية الصدارة بين اللغات المعتمدة في الحركة الإعلامية في ذلك العهد.
وتابع قائلاً: أما الحركة الإعلامية في فترة الحكم المدني 1960-1969م, فقد شهدت تحسنا ملحوظا زاد خلالها عدد الصحف الصادرة من البلاد، إضافة إلى التطور الذي شهدته إذاعتي «مقديشو وهرجيسا», كما شهدت تلك الفترة زيادة في حرية التعبير وإصدار الصحف المكفولة للمواطنين، وفيها تم إلغاء القوانين المقيدة لحرية الصحافة في عهد الاستعمار. ويمكن القول إنه لم تكن هناك رقابة مباشرة على الحركة الإعلامية في عهد الحكم المدني.
وفي هذه الفترة تم تأسيس وكالة الأنباء الوطنية 1964م، وهي إحدى الهيئات الإعلامية التابعة لوزارة الإعلام. وركزت فيها الحركة الإعلامية على المطالبة بوحدة الصومال أرضا وشعبا، وجلد الحكومات الصومالية بسبب تبعيتها للقوة الاستعمارية وهيمنة المستشارين الأجانب على مؤسسات الدولة، فضلا عن مواكبتها مع التطورات المتلاحقة في العالم.
عقب ذلك شهدت الحركة الإعلامية في عهد الحكم العسكري 1969-1991م تطورا متصاعدا, غير أنه كان على حساب الحريات العامة، بالإضافة أنه لم يعرف في هذا العهد تنوعا في الحركة الإعلامية بصفة عامة، كما هيمنت صحفية «نجمة أكتوبر» على الإعلام المكتوب، و في هذا الحين انطلقت خدمة التلفزيون القومي عام 1983م, بدعم من خبراء مصريين. وتعاون التلفزيون مع ثلاثة تلفزيونات عربية أخرى هي: التلفزيون المصري، الكويتي، والإماراتي.