أول أشكال احتجاجات العمال ضد النظام الرأسمالي هو تكسير آلات المصانع، فقد اعتقدوا أن الآلات هي سبب المآسي الواقعة عليهم. واكتشف ماركس من خلال تلك الاحتجاجات البدائية أن العامل الكادح طوال الوقت، ليس لديه القدرة على البحث والتقصي ليدرك أن الظلم الواقع عليه هو من النظام الرأسمالي وأن «الطبقة العاملة» هي الكفيلة بإسقاط ذلك النظام، ولذلك لا بد للعمال أن يتلقفوا الفكر الثوري من خارج طبقتهم. كما أن ماركس أدرك أن النظام الرأسمالي هو نظام كوني شامل، ولذلك أطلق صرخته الشهيرة «يا عمال العالم اتحدوا».
على مدى أكثر من قرنين ونصف والنُخَبْ هي التي تقود الحركة الثورية في العالم أجمع على ضوء مقولات ماركس تلك. وقد أنجز الكادحون بقيادة تلك النُخب إنجازات عظيمة لا مجال لتعدادها، ولكنهم لم يتمكنوا من إسقاط النظام الرأسمالي. كما أن القضاء على الأمية في مناطق عديدة من العالم، وارتفاع مستوى التعليم في مناطق أخرى، قلص الفارق المعرفي بين الكادح والنخبوي. وبالتالي لم يعد الكادح بحاجة «ماسة» إلى دليل يضيء له الطريق. وتغير معطيات الصراع في مرحلتنا الانتقالية الحالية، وضع أمام النُخَب والكادحين مهمة عظيمة لابد من إنجازها؛ وهي الارتقاء بمقولات ماركس إلى مستوى الحدث العالمي الحالي.
تحول النظام الرأسمالي خلال القرنين الماضيين إلى مافيا تهيمن على مقدرات شعوبها وشعوب العالم أجمع. والتحالف المصيري بين عناصر تلك المافيا في مختلف الدول. حيث أدركت «المافيا الجديدة» أن سقوط أيًّا من أعضائها يؤدي بالضرورة إلى سقوط الجميع. وهم يدركون أيضاً أن تحالفهم يتطلب التآمر حتى على سيادة بلدانهم ومصالحها الاقتصادية والسياسية. ولذلك لم يعد الصراع مع هذه المافيا صراعاً طبقياً بحتاً كما كان في عهد ماركس، إنما صراع بين مافيا عالمية مهيمنة؛ مقابل أن تبقى شعوب العالم بأكمله تحت الاستعباد والظلم. ولكي تبقى تلك الشعوب قابعة تحت الظلم، تمارس المافيا كل أنواع التظليل الإعلامي والسياسي والاجتماعي لتسطيح النُخَب وتهميشها وفصلها عن الحركة الاجتماعية.
ترويج أوهام كـ«صراع الحضارات» و»عالم ما بعد الحداثة» و»نهاية التاريخ» و»الفوضى الخلاقة» و»الغموض البناء» في الأدب والفن عموماً، كل ذلك أدى إلى فصل النخب عن الواقع الحي.
«سقوط النخب» هذا له وجهان: الأول سلبي؛ أي عزل النخب عن الشارع؛ وتكلسهم في أبراج عاجية؛ وصولاً إلى موت دورهم الاجتماعي. أما الثاني فهو إيجابي؛ حيث تخلص ويتخلص الكادح المسكين من سطوة النخب بكل ألوانها الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والأوهام المرتبطة بتلك النخب. ولا عجب أن الكادح «الأمريكي» البسيط رفع شعار «يا شعوب العالم اتحدوا» في أحداث «وول ستريت 2010»، ويرفع العراقيون واللبنانيون البسطاء شعار «السيادة الوطنية».
** **
- عادل العلي