الجزيرة الثقافية - محمد المرزوقي:
يعد الناقد الدكتور عالي بن سرحان القرشي، خلال هذه الفترة اللمسات الأخيرة من مراجعات كتاب عن والده، سيخرج إلى القراء خلال الشهرين المقبلين، بعنوان: «معالي والدي الحبيب»، الذي وصفه عالي قائلاً: والدي بسيط جداً في حياته الاجتماعية، فوالدي «راعي غنم»، ومن هذه الرمزية الاجتماعية خرجت في إصداري عنه -رحمه الله- بمجموع ثلاثي الأبعاد، الأول: والد عالي، وثانيهما عالي المدون، أما آخر الأضلاع فعن توثيق والد عالي نفسه للأحداث المتعلقة بهم في زمنهم؛ وخاصة أن والدي كان شاعراً شعبياً، وثقت قصائده العديد من الذكريات والقضايا الاجتماعية.
أما عن حضور هذا الكتاب ضمن «سلسلة» إصدارات القرشي، بوصفه الأكاديمي والناقد، فقد وصف القرشي التنبؤ بما بعد صدور الكتاب، بأن هذا مما سيجيب عليه التلقي، الذي سيعكس للقرشي مدى نجاح الكتاب، الذي كانت الغاية منه، أشبه ما تكون بالبر «الثقافي» لما سيجده القارئ من قيم اجتماعية، وما يوثقه من عادات وتقاليد ومواقف دونها والده شعراً.. مشيراً إلى أن القارئ سيجد ما يلفت نظره، وما يدهشه فيما سعى المؤلف إلى رصده توثيقه لذاكرة شفاهية عبر مدونة والده الشعرية، التي قال عنها عالي: رسالتي الأهم عبر هذا الكتاب، ألا يغفل الأبناء إرث آبائهم، وأن يخرجوا من بساطة موروث أبائهم عبر الحياة، برموز فوق ما كانوا فيه، عبر رصد القيم ودلالاتها التي لا يمكن الوقوف أمامها إلا مقام إكبار وإجلال، ما يجعلنا نكتب عن آبائنا بوصفهم القدوة، والمثال، والنموذج الذي تتناقله الكتب من قارئ إلى آخر، في تداولية تحكي الإنسان وتستعيد المكان.
وعن دور المؤسسات الثقافية اليوم، وفي مقدمتها الأندية الأدبية، وجمعيات الثقافة والفنون، تجاه هذا اللون من الأدب، وتعزيز حضوره، ولفت الألباب إليهن بوصفه يجسد أدباً لمرحلة، ويمثل ذاكرة شفاهية تستحق الاهتمام بالجمع والتوثيق، قال القرشي: مما يؤسف له أن هذا الجانب الأدبي الاجتماعي لم يحظ بما يستحق من الاهتمام، لما نجده من فنون الأدب في الحكاية، وما يكتنزه من قيم جمالية ومضامين عميقة، لعل التورية، والرمز، والصورة، وغيرها مما تتدفق به أدبيات (البسطاء)، الذين عاشوا الواقع ببساطة متناهية، وتعايش كل منهم مع مرحلة تظل في ذاكرة الوجدان الاجتماعي لبنة لا يمكن التهاون في فقدها، لأننا حينئذ نتساهل في فقد ذاكرة اجتماعية لا يمكن أن نقابل فقدها بإحلال ثقافي بديلاً لها.
وبما أن الأدب الشفاهي «الشعبي»، يعد (أبو الحكايات)، فقد وصف القرشي هذا البعد قائلاً: عندما نرصد ونوثق أدبا من هذا اللون، فلا بد من المحافظة على كينونته، شكلا ومضمونا، دون المساس به، بما في ذلك البعد الصوتي لطريقة الأداء الصوتي (اللهجة)، لأن التدخل أيا كان دافعه، سيفقد تلك المشافهة وجماليات حكايتها الكثير، ما يجعل المحافظة على تلك الذاكرة من قبيل «إسداء المعروف»، للعمل، ولصاحب العمل، لكونك أبقيته ماثلاً للأبصار والبصائر.