د. عبدالحق عزوزي
نشر منذ أيام معهد إيفوب المعروف بدقته وكفاءته استطلاعاً للرأي مخيفاً جداً، جاء فيه أن أكثر من 40 في المائة من المسلمين في فرنسا كانوا ضحايا سلوك عنصري؛ وتحدث واحد من كل ثلاثة منهم تقريباً عن تمييز بسبب ديانته خلال السنوات الخمس الأخيرة. ووفق هذا الاستطلاع فإن «42 في المائة من المسلمين الذين يعيشون في فرنسا يؤكدون أنهم تعرضوا على الأقل لشكل واحد من التمييز المرتبط بديانتهم، وذلك لمرة واحدة على الأقل خلال حياتهم». وقال 32 في المائة إن ذلك حدث في السنوات الخمس الأخيرة. ويقول المستطلعون إن تعرضهم للتمييز تم خصوصاً «أثناء عملية مراقبة» أمنية، 13 في المائة أو «أثناء البحث عن عمل» 17 في المائة أو البحث عن سكن 14 في المائة أو من مدرسين في مؤسسة تربوية 14 في المائة.
وكشف الاستطلاع أيضاً أن حالات التمييز تمس أكثر الأشخاص في العمر بين ثلاثين وأربعين سنة والنساء (46 في المائة مقابل 38 في المائة بين الرجال) خصوصاً إذا كن يرتدين حجاباً. وبحسب الاستطلاع تعرض ستون بالمئة من النساء المحجبات لتمييز مرة واحدة على الأقل في حياتهن مقابل 44 في المائة بحق مسلمات غير محجبات. وتابعنا في الأيام الأخيرة قضية احتلت حيزاً واسعاً من النقاش في فرنسا، وهي قضية الحجاب التي تحولت إلى قضية رأي عام تقسم المجتمع الفرنسي والطبقة السياسية فيما يرى البعض تضخيما للقضية نظراً لأن البلاد تعاني من مشاكل اقتصادية وسياسية واجتماعية جمّة...
ومن نتائج الاستطلاع أيضاً تعرض مسلم من أربعة، 24 في المائة، لاعتداء لفظي خلال حياته مقابل تسعة بالمائة لغير المسلمين. كما تعرض سبعة بالمائة من المسلمين لاعتداء جسدي مقابل ثلاثة بالمئة لباقي المواطنين. وتعرض 37 في المائة من النساء المحجبات لإهانات وشتائم ...
ومن خلال هاته الأرقام وغيرها من الاستطلاعات التي تصدر في دول أوروبية أخرى كألمانيا وهولندا، فإن الفرنسيين والأوربيين يعتبرون الإسلام والمسلمين تهديداً أكثر من أي وقت مضى؛ ومن خلال استطلاعات رأي أخرى فإن أوروبا تتجه رويداً رويداً إلى تبني الخطابات اليمينية في أساليب حكمها، وخصوصاً أن المستجوبين في أهم الدول الأوروبية يعتبرون وجود جالية مسلمة في أوطانهم بمثابة تهديد حقيقي لهوية بلدانهم، ويعتبرون أن المسلمين غير مندمجين بما فيه الكفاية في المجتمعات؛ ويرجع المستجوبون ذلك إلى الاختلافات الثقافية المختلفة وإلى القيم قبل الأسباب الأخرى المرتبطة بالغيتوهات أو الصعوبات الاقتصادية؛ وحتى مع وجود اختلافات بين المستجوبين الشباب والمسنين، والناخبين من اليمين ونظرائهم من اليسار، فإن نسبة كبيرة منهم تربط بين الإسلام ورفض القيم الغربية، ونلمس ذلك جلياً في نظرتهم لقضية الحجاب وبناء المساجد، حيث إنه أكثر من 59 في المائة من المستجوبين مثلاً يعارضون ارتداء المسلمات للحجاب في الشارع و32 في المائة فقط يعتبرون ذلك أمراً لا يعنيهم، كما أن 39 في المائة من الفرنسيين يبدون معارضتهم لبناء المساجد مقابل 22 في المائة في سنة 2001 .
لا يمكن تجاهل التراكمات التاريخية المغذية للمشاعر الوطنية والتي تشمل جل الدول الأوربية، ولكن الذي بدأ يقع اليوم هو وصول صفوة من الحكام إلى كراسي أخذ القرار دون أن يكون لهم باع في السياسة أو تجربة تاريخية تجعلهم يفرِّقون بين الدعايات الحزبية السياسوية وما يجب أخذه من قرار للمحافظة على توازن المجتمع داخل الدولة؛ وبهذا الشكل نرى ظاهرتين اثنتين تغطيان معظم الأحداث الحالية في أوروبا وهما موضوع الهجرة الذي أصبح لصيقاً بالإرهاب كما تصوره كل وسائل الإعلام، ووصول اليمين أو اليمين المتشدد إلى بعض كراسي الحكم في أوروبا ...
يطرح مشكل استقرار المسلمين بشكل دائم في المجتمع الأوربي تساؤلات لا متناهية وحوارات عقيمة عن مدى قابلية تعايش الإسلام مع الديمقراطيات الأوربية، ولكن الداهية العظمى والمصيبة الآزفة هي تلكم الصور النمطية التي تترسخ في الأذهان والسلوكات الغربية موازاة مع العمليات الإرهابية التي اقترفت سواء من أبناء الجيل الثالث أو من الوافدين المهاجرين الجدد، لتحمّل كل الأحزاب في مشاريعها الانتخابية قواعد أصبحت يوماً بعد يوم ثابتة من قبيل كره الأجانب وبالأخص المسلمين منهم، وضرورة تحصين المجتمعات من وجودهم.