هالة الناصر
تمثل ظاهرة العنف الأسري ظاهرة سلبية في مختلف المجتمعات، ما يهدد أمن الأطفال وسلامتهم النفسية أو الجسدية، وتستمر تبعاته في المراحل التالية من الحياة، ما يخلف انعكاسات سالبة لدى شخصية الطفل المعنفة، ويمر الأطفال الذين تعرضوا للعنف بمشاكل عديدة، من بينها الاجتماعية والصحية، ما ينعكس على التحصيل الدراسي، فحسب اجتماعيين متخصصين فإن سوء معاملة الطفل وإهماله يؤثر بشكل كبير على شخصية الطفل المستقبلية، وذلك من خلال ضعف الثقة في النفس وضعف تحصيله وإنجازاته.. وأشارت كثير من الدراسات إلى أن هناك ارتباطاً كبيراً بين مفهوم الذات وبين التحصيل الدراسي، فالطفل الذي لم تنم لديه الثقة في نفسه وقدراته ويخاف من المبادرة في القيام بأي عمل أو إنجاز، يخاف الفشل والتأنيب لذلك تراه متردداً في القيام بأيّ عمل، وهذا الخوف نتيجة العبء الثقيل الذي يتركه الوالدين على عاتق الطفل والتنافس الاجتماعي ما بين أفراد الأسرة الواحدة، والشعور بالإحباط الناشئ عن التهديد واستخدام كلمات التحقير والاستهزاء بقدرات الطفل وعدم إشباع الحاجات الفسيولوجية للطفل ما يؤثر على سلوكه وتنتج العدوانية والقلق والتوتر الدائم للطفل، وتقول الدراسات إن تأثير العنف يستمر عادة إلى مراحل مختلفة من حياة الطفل، فيؤثر في بنية الطفل وتكوينه ومسالكه وانطباعاته وتفاعلاته، كما أنه يحفظ أحياناً كثيرة في ذاكرة الطفل ليبقى راسخاً في ذهنه مدى الحياة، فيسبب بذلك مشاكل عديدة تتعدى مرحلة الطفولة إلى مراحل متقدمة من العمر، ومن ذلك ما يعانيه الطفل المعنف من اكتئاب وأزمات نفسية، ويشمل العنف جميع أشكال الضرب المبرح، أو الضرب المقصود، أو العقاب الجسدي، أو استمرار السخرية والإهانة والاستهزاء بحقه، أو الإهمال والتقصير في رعايته وتوفير مستلزماته الصحية والنفسية والاجتماعية والجسمية، أو استغلاله في أعمال تفوق طاقته، وفي دارسة علمية أجراها برنامج الأمان الأسري الوطني بجميع مناطق المملكة على عينة (5.075) شخصاً حول ظاهرتي العنف الأسري والعنف ضد الأطفال، اتفق 78.5 % على أن العنف وإهمال الأطفال موجود، بينما قال 51 % إن العنف يعد ظاهرة في المملكة، و80 % اتفقوا على أهمية إيجاد أنظمة لحماية الطفل من الاعتداء والإهمال، ما يؤكد أن الظاهرة منتشرة وتحتاج لعلاج فوري عبر التوعية الأسرية لحماية الأطفال وضمان مستقبل أفضل لهم، لأن تأثير العنف يمتد للصحة، فحسب دراسة أمريية قد يؤدي العنف ضد الأطفال إلى خلل جيني لديهم، وأثبتت الدراسة أن الأطفال، الذين تعرضوا لسوء المعاملة والعنف النفسي أو الجسدي، هم أكثر الأشخاص تعرضاً إلى الأمراض مستقبلاً، مؤكدة أن سوء معاملة الطفل قد يتسبب في إحداث خلل جيني لديه، وفقاً لعلماء من الولايات المتحدة، قالوا إنهم اكتشفوا خللاً في المجموع الوراثي للأطفال، الذين تعرضوا لسوء معاملة وعنف، وأن هذا الخلل يمكن أن يؤثر سلباً عليهم مستقبلاً. وحسب العلماء في دراستهم، التي نشروا نتائجها في مجلة «موليكولار سيشياتيري» المتخصصة، فإن هذه العواقب السلبية تكون أسوأ ما يمكن لدى الأطفال الذين عانوا من أكثر من شكل من أشكال العنف، حيث تتضرر لديهم طبقة التيلومير التي تحمي الحمض النووي للخلية مثل الطبقة البلاستيكية، موضحين أن هذه الطبقة هي نهايات للصبغيات الوراثية وأن تقلص هذه النهايات يعرض صاحبها لمخاطر صحية عالية مثل الإصابة بأمراض مزمنة وسرطانات، ومما سبق يتضح لنا بجلاء حجم الآثار المترتبة على العنف الأسري ضد الأطفال، والضرورة الملحة للتوعية في سبيل أطفال أصحاء معافيين نفسياً وجسدياً.