سهوب بغدادي
يعد الطلاق ظاهرة تستحق التمعّن في أبعادها والتفكّر في ماهيتها وتصنيفها، فالجميع يستعيذ بالله عند مجرد التفكير في كلمة (طالق)، ولطالما ارتبطت الكلمة بإكليشة متوارثة لدى الأجيال متمثلة في أي مسلسل درامي «أنت طالق طالق طالق»، ثم تقع المرأة مغشياً عليها من شدة هول الكلمة لا الموقف. بغض النظر عن مدى صحة صيغة الطلاق التكعيبية وتبعاته التي تؤثّر في نواة الأسرة وتكوينها، نستطيع أن نتكهن بالطابع العام لهذه الخطوة المدروسة من عدمها، حيث يندرج الطلاق ضمن الانفصال السلبي والهادم إذا كان قراراً عشوائياً بأية طريقة كانت سواء لتأديب الزوج زوجته أو إثارة غيظتها وما إلى ذلك. ففيه الصورة السلبية هذه شتات وفرقة وضياع لأفراد الأسرة القريبة والبعيدة. أما النمط الآخر للطلاق -نستطيع التعبير عنه بالإيجابي- يتميز بتقييم الموقف وتحديد نقاط الضعف والعمل عليها مراراً دون ظهور نتائج مرضية مع الأخذ بعين الاعتبار وضع العلاقات التي تندرج من العلاقة الزوجية الأساس من أطفال وأهل زوج وزوجة وأصدقاء ومعارف. فإن تم الانفصال في هذه الحالة سيكون أغلب الأطراف بخير -أو إن صح القول- سيواجهون أخف أقل الضرر. من هذا السياق، تبرز لنا العديد من الشخصيات النسائية الناجحة في عدة مجالات كالإعلام والعلوم البحتة والطب. فما السيكولوجية المرتبطة بنجاح المرأة المطلقة؟ حتماً، ليس كل امرأة ناجحة مطلقة أو كل مطلقة ناجحة ولكن نرى ونسمع عن أمثلة مشابهة على الدوام فعقب الانفصال تنخرط المرأة في العمل وتكرّس جميع حواسها ووقتها له أو بالعامية -تحط حرتها في الشغل- وفي هذه الحالة ستبرز على الأغلب في محيطها كرمز للموظف المجتهد والمتاح في أكثر الأحيان والمبادر في أحيان أخرى. وأذكر قبل العام أو ما يزيد عن العام عندما التقيت مشهورة تجاوز عدد متابعيها 2 مليونين، كان لقاؤنا ضمن وفد إعلامي في رحلة ممتدة لأكثر من أسبوع خارج المملكة، حيث تقرّبنا من بعضنا البعض بشكل كبير، ونحن بانتظار رحلة العودة عرضت علي أن أزورها في بلدها لعمل مقابلة تلفزيونية في مقر عملها وحددت الموعد قائلة: «تعالي الأسبوع القادم» فقلت: «لا أستطيع, يجب أن أنسق بما يتوافق مع زوجي وابنتي» فقالت: «سهوب, زوجك طلقيه!» سألتها في ذهول لماذا يا فلانة؟ فقالت: «لم أصبح ناجحة وأجوب أرجاء العالم مرة كل عام وألبس أغلى الثياب إلا عندما تطلّقت» فقلت لها «إنه لأمر جيد، ولكن هل أنت سعيدة» تريثت هنيهة قبل الإجابة وما لبثت أن تجيب فقاطعها أحد الزملاء الذي شدَّه ما دار بيننا قائلاً: «أقول لك، اتركي البنت في حالها واكفيها شرك».
(نحن من نصنع السعادة بأيدينا ولكن يجب أن نعرف معناها الحقيقي أولاً)