أنا رجل ثلاثيني، متزوّج ولي أطفال، التقيت بسيدة في إحدى الفعاليات، كانت مطلقة للتو، دارت بيننا أحاديث عفوية تحولت إلى أحاديث تعبِّر عن انسجام وانجذاب قوي، انتهت بزواج (سري) عقد في إحدى الدول العربية، ولكنها اشترطت علي طلاق زوجتي الأولى، زوجتي مخلصة، عاقلة ورزينة، ومن أسرة ذات شأن رفيع، وكذلك هي محافظة على تماسك الأسرة وهي أم حنونة، لا أستطيع التفريط فيها، ولكن هذا شرط حبيبتي التي لا أستطيع الاستغناء عنها بالمرة، أنا حائر جداً بين قرار قلبي الذي يميل لها بقوة، وعقلي الذي يرفض فكرة التخلّي عن زوجتي وأم أطفالي والتسبّب في هدم الأسرة، دخلت في حالة من الحزن الشديد، فماذا أفعل؟
الاستشارة: أطرح السؤال مجدداً: لمَ وقع اختيارك عليها؟
هل أدركت ماذا أعني حين قلت لك: أعادتك إلى اكتشاف حقيقتك؟
هل استوقفتك هذه العبارة؟
1 - لقد أخرج الحب بداخلك، الرقة، العطف، الحنية، المتعة والبهجة الحسية، ألهب مهاراتك في ممارسات الحب الذكورية، هذا كل ما في الأمر! سيدي.
ومن ثم تحول اندهاشك باكتشاف التجربة (الروحية) تلك التي بقيت زمناً تراوح بأعماقك، تحول هذا الاندهاش إلى تعلّق بمن جرى هذا من خلاله وليس به!
وشتان بين محبوب يعمد فعل ذلك لك عن وعي ودراية، وبين أن يفعله تبعاً ودونما قصد ودراية!
2 - في استشارتي السابقة لك، قلت لك إنك مررت بمراحل، وجاء اختيارك في كل مرحلة بما يتفق معها، وأنت حين تجاوزت مرحلتك السابقة، ولكن حملت معك منها «......» الذي تعلّم على يد والده الخضوع والتعاطف والمشاركة في الألم ليكون أنموذجاً يخضع بعدها لقوانين المجتمع ويهتم لهمسات الناس، وأحكامهم (كما هم كثير غيرك) وانتقلت إلى «....» ذي الظهور الاجتماعي، المتحدث، الناقد، المثقف، وأيضاً المتمرد (لم يخرجك عن تهذيبك) المكتشف، لألوان من الجنون الجميل، فحين تلوّنت (الأنا) لديك بلون جديد وبهي، خرج لك في تجربتك من يشبهك، فكل ما في الأمر أن الشبيه يجذب شبيهه. ولذا كان اندهاشك من الشبه الكبير بينكما.
3 - يا سيدي نحن نعيش في عالم نخرج من غرفة ونلج غرفة أخرى وفي كل الغرف تحيط بنا مرايا من كل جهة تعكس ما بداخلنا من خفايا وأسرار نحن حين نقيّم ذواتنا قد اعتدنا الاغترار بالظاهر وعدم الالتفات صوب أعماق النفس بالمرة، بالمرة؛ كالتناقضات والازدواجية وأنواع السخط وضعف الرضا وقلة الامتنان والغرور والرغبة في اقتناص الفرص بغرض الانتقام الخفي للنفس المهزومة من جراء شعورها بالنقص والضعف أمام من بقي زمناً يضغط عليها ويباهي بها، وأيضاً الخوف من الفقد والخوف من الرفض والخسارة والخوف من الضعف والخوف من الاحتياج، وجاءت هذه المرأة بممارساتها الاستفزازية، لتكشف لك ما يرقد بداخلك.
4 - الحب الحقيقي هو اختيار ناضج، يتبعه شعور سلامي، وسعادة غامرة، واتزان نفسي، وفيوضات نورانية، تقود أصحابها إلى ممارسات صادقة وعادلة وحكيمة، يحدث ذلك كله مع حضور العقل، واحترام الإرادة، وحرية القرار معاً.
أما الذي تتحدث عنه يا سيدي فلا يرقى لذلك؛ إذ لا يسكن الحب الحقيقي قلباً، لم يعرف سوى لغة الاشتراط والابتزاز، والتملّك والاستحواذ والمساومة ولي اليد! وفوق ذلك اشتراط تقديم الفداء والأضاحي من جانب واحد فقط مع ما يترتب عليه من كسر قلب زوجة مخلصة، والتغاضي عن امتياز رجاحة عقلها وطيب أصلها، فضلاً عن إفساد مستقبل أطفال إلى الأبد!
أما القرار فهو بيدك، ولست مخولة لاتخاذ قرار نيابة عنك لاسيما فيما يتعلّق بالمواثيق والعقود.
وقبل ذلك تذكّر أنها تجربة تحمل اختباراً لك واستبطاناً لما بداخلك، حري بك أن تبارك هذه التجربة وتشكر من شاركتك إياها من أعماق روحك وتذكر النقطة الأخيرة:
5 - شتان بين القرار الناضج النابع من الحقيقة والأصل، وبين قرار يجيء بدافع الخوف من فقد تجربة شعورية عاصفة؛ فالأول يجيئك بيسر وانسيابية وطمأنينة ودونما رجعة، والثاني تتخذه وكأنك تلاحق لاهثاً خيال طيف أو تلاعب صبية صغاراً على ناصية الشارع.
استخر الله علاَّم الغيوب، تعامل بقبول مع شعورك الدفين بالاحتياج للحب الدافئ. رحل مشاعر الخوف والضعف من أعماقك.
ردد مراراً {رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا}.
** **
لطلب الاستشارة hoda-mastour@hotmail.com