ميسون أبو بكر
الحرية مطلب أصيل في حياة البشر وحق من حقوقه ولكل شخص مساحته الخاصة فيها له أن يتسع أو أن يضيق إطارها حسب قناعاته وحاجاته وسلوكه وثقافته على ألا يتجاوز حريات الآخرين، ولا يستغلها سلبيا على نفسه ومجتمعه بما لا يليق.
الحرية مطلوبة لأنها تعطي مساحة نفسية للإنسان بالراحة كما الاطمئنان دون قيود، حيث يقول إيمانويل «كل منا يستطيع البحث عن سعادته وفرحه بطريقته التي يريد وكما يبدو له الطريق السليم،
شرط ألا ينسى حرية الآخرين وحقهم في الشيء ذاته».
بعض المجتمعات تقيدها العادات والتقاليد أكثر من القوانين، وهي ما نشأنا عليه من قيم نعلمها اليوم لأبنائنا أينما كانوا سواء في مجتمعنا المحافظ أو في المجتمعات الأخرى الأكثر انفتاحا؛ قيمنا حفظها ديننا ودعا إليها في أكثر من آية كريمة وبارك الله نبينا الذي وصفه بأجمل الصفات والأخلاق وناداه بأنه على خلق عظيم، فالأخلاق تهذب الحريات وتنظم الأفراد، هي كمكابح تعمل في الوقت المناسب وكترمومتر يقيس الوضع الطبيعي الذي يضر بالإنسان إن تجاوزه.
ولأننا جزء من هذا العالم الذي أصبح اليوم كقرية صغيرة، وفي لحظات وبعملية بسيطة نستطيع أن نحصل على تذكرة طائرة أو وسيلة برية أو بحرية للسفر إلى أقصى نقطة في العالم حسب الرغبة والإمكانيات؛ كما نحن في مجتمع يعيش مع الآخر سواء مقيم أو زائر؛ لذلك فإن حقوقنا تخضع لقوانين دولية ومعايير عالمية، ودولتنا جزء من اتفاقات ومواثيق دولية لذلك تحرص على تحقيقها وقد خطونا خطوات كبيرة في هذا المجال والحمد لله، وشعرنا كأفراد بلذة الحياة وإنسانيتنا في ظل ما تحقق لي شخصيا كامرأة لم أعد أخضع لسلطة السائق الأجنبي وبعض القيود التي فرضت سابقا في السفر، كما بتضييق في مجال العمل والنشاط الإنساني؛ وأصبح عملي بمنتهى الراحة وشعوري في الاطمئنان تزايد والعمل بإنتاجية أكبر وكل هذا ضمن إطار ثقافة المجتمع والعادات والقيم التي نشأت عليها والتي تحرص أمي حفظها الله رغم تجاوزي الأربعين على تذكيري بها دوما.
الحرية المسؤولة نحن بحاجتها، فلا نحتاج أن نكون بمعزل عن العالم لنتقيد بالآداب والقيم، يمكنك أن تكون حرا وبنفس الوقت أن تكون شجاعا في رسم نطاق لحريتك وخطوط لا تتجاوزها، فأنت لست بحاجة إلى خفير أو حارس ليمنعك من تجاوز الممكن وقيمك ودينك، الحرية الحقيقية أن تملكها وتملك كل الخيارات ثم أن تكون واعيا بالحد الذي يمكنك الوصول إليه، وبالقيم التي تحملها معك في عقلك وتصرفاتك والتربية التي يمكنك أن تمثلها والأسرة التي أنت ثمرة وواجهة لجهدها التربوي معك.
لسنا بحاجة لعصا أو قوة للمنع من الخروج للعالم الذي تعتبر حدوده اليوم من جهاز اللابتوب والجوال الذي يقبع داخل منازلنا بل غرف نومنا، إنما نحن بحاجة لوازع داخلي وتربوي نقوم أنفسنا من خلاله بأنفسنا.
يقول البير كامو «الحرية هي فرصة لنكون أفضل» لذا يجب أن يكون مفهومنا للحرية مفهوما إنسانيا راقيا وواعيا ومسؤولا، لأنها التحليق للعلا وليس الهبوط للهاوية.
التربية التي تبدأ من الأسرة والرقابة على الطفل منذ نعومة أظفاره وغرس القيم الدينية هي سبيلنا لمجتمع قوي ناضج مسؤول عن استخدام حريته، وعلى مواجهة العالم، وما كان ممنوعا داخل نطاق وطننا استطاع أبناؤنا الوصول إليه عبر وسائل التقنية أو السفر للخارج مما جعل خطره كبيرا، اليوم هناك وسائل ترفيه متعددة تشرف عليها الدولة وتتيحها حسب الممكن لملء فراغ الشباب ولأحقيتهم في الترفيه، وحمايتهم من أمور كثيرة وطريقة التعامل مع المتاح طريقة تعتمد على الفرد والأسرة، حيث لا بد أن نحسن استخدام الحرية وتمثيل أنفسنا بما يليق بمكانتنا، والأسرة في المقام الأول المسؤول الرئيس عن الأبناء ومتابعتهم، كما وضع سقف الحرية المناسب.