زكية إبراهيم الحجي
حين يُدْرَك مشهد خارجي ثائر يصبح الخداع عديم الفعالية.. فهناك دائماً سقف تسعى ثورات مختلفة على تحطيمه في لحظة غير متوقعة والتاريخ خير شاهد.. ومهما حاول المنظرون إعطاء قوانين ثابتة للثورات والتنظير لها إلا أن كل ثورة تبقى وليدة سياق اجتماعي متفرد وخاص بكل شعب من الشعوب.. ولأن شعوب الأرض كافة تواقة إلى القوة والمجد والنهوض بأوطانها.. فقد كانت تلك الشعوب تنظر إلى شبابها نظرة الأمل والتحدي لصناعة مستقبل يليق بمجتمعاتهم وأوطانهم، وذلك باعتبارهم القوة الديناميكية الخاصة بها وجوهر عنفوانها لما تمثله هذه الفئة من قدرة على تحريك وقيادة عجلة النمو بسواعدها الفتية.
وكما أن الشباب وقود عجلة النمو والتطور فإنهم أيضاً وقود الثورات والاحتجاجات إذا ما اصطدموا بجدار التهميش وضُيِّق الخناق عليهم وعمّت البطالة بينهم وساءت أحوالهم المعيشية وغابت العدالة الاجتماعية المنصفة لهم.. فبعد طول جمود من تاريخ آسن فُرض على بعض الشعوب بحجة الاستقرار والحفاظ على الثوابت.. وبعد سلسلة من تراكمات طويلة الأمد تراوحت ما بين فرض الاستكانة والتبعية والانقياد تحدث مفاجئة مزلزلة.. تدب طاقة الحياة في الجماهير الشبابية وتنكسر حواجز الخوف والصمت الذي دام لعقود من الزمن.. وبدلاً من ذلك التاريخ الدائري الآسن المكرِر لذاته يبدأ المخاض وإن كان عسيراً في بدايته وتنطلق الطاقات الشبابية كي تُحدث التحول والتغيير وانتزاع الحق المسلوب واسترداد الكرامة الإنسانية المغيبة.
التطلعات الشبابية من العراق إلى لبنان لم تكن استثناء عن التطلعات الشبابية في تونس وليبيا والسودان.. اللعبة انتهت والمحطة المفصلية الشارع والقاسم المشترك واحد «الشعب يريد إسقاط النظام» تحَرَر الغضب المكتوم وانطلقت طاقة الحياة الشبابية بعد أن تعرضت للإخماد عقوداً طويلة فالثورة نداء لحياة أفضل واستعادة الكرامة والاعتبار والحقوق الإنسانية المسلوبة واسترداد الأموال المنهوبة من قبل طبقات سياسية تتناوب على اعتلاء الكراسي
الاحتجاجات العارمة التي اجتاحت بعض الدول العربية سابقاً والآن تشتعل بقوة في لبنان والعراق تمثل نقطة تحول فارقة في حياة جيل من الشباب هو الأكبر حجماً والأفضل تعليماً والأكثر تمدناً في تاريخ المنطقة العربية.. ولكن ظلت آفاق هؤلاء الشباب معرضة للتهديد جراء الإقصاء والفقر والبطالة وانتشار الفساد المالي والإداري بين فئات الطبقة السياسية الحاكمة بمختلف مسمياتهم.
الاستمرار في تجاهل أصوات الشباب وإمكاناتهم والاكتفاء بمبادرات صورية أو مجتزأة لن تغيّر واقعهم بل ستذكي حالة الاغتراب عن مجتمعاتهم أكثر من أي وقت مما يدفعهم إلى التحول من قوة بناءة في خدمة التنمية إلى قوة هدامة تُسهم في إطالة حالة عدم الاستقرار وتهدد أمنهم وأمن أوطانهم.. حاصل القول: الثورة الشبابية في لبنان والعراق هي تجاوز للقديم وإقرارٌ لجديد مغاير لما هو سائد.