أ.د.عثمان بن صالح العامر
يتجاهل البعض من المحللين السياسيين المؤدلجين المنزلة الكبيرة التي تحتلها الرياض في صنع القرار العربي سياسياً كان أو اقتصادياً أو عسكرياً أو فكرياً، والتأثير المباشر في توجيه سير أحداث المنطقة، وقوفاً منها ضد مشاريع التفتيت المخطط لها والمرسومة من قبل أعداء العروبة، الهادفة بكل صراحة ووضوح إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد، من خلال ما يعرف بالفوضى الخلاقة التي اعتبرها منظرو السياسة الغربيين المطية التي سيسخرها صناع القرار هناك من أجل إسقاط القيادات العربية وجعلنا نحن العرب بلا هوية ولا رموز.
لقد أدرك الساسة السعوديون خطورة هذا المخطط -منذ بواكيره الأولى- على حاضر ومستقبل الحكومات العربية وشعوبها فوقفوا سداَ منيعاً أمام ما سمي بحركات الربيع العربي الطامحة إلى زعزعة الأمن والاستقرار المجتمعي، وتغييب الرموز، وإشغال الشعوب وإفقارها. ومع أن هناك نخبا وعامة انطوت عليهم هذه الأكذوبة الكبرى، فصفقوا وباركوا، بل ربما نزلوا وشاركوا في المظاهرات التي رفعت شعار التغيير المزعوم وتحت لافتة (الشعب يريد إسقاط النظام)، وفي ذات الوقت اتهموا الرياض زوراً وبهتاناً بأنها ضد مصلحة شعوب المنطقة للأسف الشديد، إلا أن الأحداث المتتابعة، والهجمات المتوالية، والتصريحات الفاضحة، والتسريبات الجارحة، كشفت -في الآونة الأخيرة- لهذه الشعوب المساقة بالشعارات الفارغة كم خدعت وضللت وسلبت كل شيء دون أن تحصل على شيء، فهي كمن يلهث خلف سراب يحسبه الظمآن ماء، فكانت منهم الإفاقة بعد أن عظم الخطب وأنهك جسدهم الوطني المثخن بالجراح خاصة في العراق ولبنان اللذان كانا ضحية المد الإيراني الفارسي البغيض، واليوم تحاول بلد الخير والنماء والعطاء المملكة العربية السعودية من خلال (اتفاق الرياض) أن ترأب الصدع في اليمن الشقيق، وتعيده إلى حاضرته العربية، وتحافظ على وحدته، وتحقق سلامة وأمن واستقرار شعبه، وفقاً لمرجعيات السلام المتعارف عليها المتمثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني، والقرارات الأممية ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار 2216، وأن أمن اليمن جزء لا يتجزأ من أمن المملكة.
لقد وقّع الثلاثاء الماضي اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي تتويجاً لجهود المملكة الرامية لما فيه خير ومصلحة الشعب اليمني التي قادها بكل حرفية واقتدار سيدي ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وهذا جزماً إنجاز عربي - سعودي جديد يضاف إلى تاريخ بلادنا الغالية في وقوفها مع الأشقاء العرب، وفتح باب الحوار من أجل تحقق الأمن والاستقرار وصناعة السلام والتنمية في اليمن، حفظ الله قادتنا، وأدام عزنا، ويسر أمورنا، وحقق أمنياتنا، ووقانا شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني وإلى لقاء والسلام.