شريفة الشملان
هاجت شعوب جوعى تريد أوطانًا بلا فساد ولا سرّاق ولا جرائم. ثلاث دول عربية. من الشمال الإفريقي قررت الجزائر شق عصا الطاعة على الفساد، وعلى جمهورية ورئيس للأبد ولو كان عضوًا في قيادة حرب التحرير.
تلك الحرب التي أودعت مليونًا وأكثر من مليون شهيد ليس ليتربع الفساد الوطني بدلاً من الفساد والظلم الفرنسي على مقدراتها. والتحرير والثورة والعمل عليها لا تستلزم جائزة أبدية ولا تقريب القربى وإبعاد الناصحين.
الثورة الجزائرية ضد المحتل الذي نهب كل شيء في الوطن بما فيه اللغة ومحاربة الدين، كافحت كفاحًا سطر بنور حتى جاءت الثمرة بعد مليون ونيف من الشهداء.. عادت الجزائر لعروبتها وإسلامها.
تحررت الجزائر ونفضت غبار السنين عن الكتب والفهارس العربية، وصدر قرار حازم وحاسم، لا توظيف لمن لا يقرأ ويكتب العربية.
بكل جد واجتهاد دارت رحى التعريب. ونطقت الجزائر العربية، وكنت هناك عام 1979م وكانت اللغة العربية عنوان كل شيء.
الرئيس بو مدين -رحمه الله- كان صارمًا بذلك، توفي أو قتل وهو على الأرجح مسمومًا كما أكَّده الأطباء الروس.
الجزائر بلد غني زراعي وعنبه من أجود أنواع العنب الذي جعل الفرنسيين يتمسكون به، حاول الفرنسيون ابتزاز الجزائر، بعدم شراء العنب، فما كان من الجزائريين إلا أن اجتثوه، وزرعوا القمح بدلاً عنه.
أتابع أحداثه.. وأجد أن المرشحين للرئاسة هم أعضاء من الحكومة التي قام الحراك أصلاً ضدها..
وتذكرت المثل القائل (نقول تيس يقول أحلبه).
برزت انتفاضتان لنفس السبب ضد الفساد، ولرحيل الكتل والطائفية والحزبية والمحاصصة.
لبنان على ضفاف البحر الأبيض البلد الجميل الناعم وفي العراق ضد الفساد الذي أسس له بريمر - لا طيب الله له ذكرًا- الذي وضع الطائفية بدلاً من الأهلية والكفاءة.
لبنان الذي كان يطبع ليقرأ العراق ونقرأ جميعنا أيضًا. وياما وصلت كتبه سرًا لنتلقفها.
شعبان عربيان يريدان وطننا قويًا نظيفًا، خاليًا من الطائفية. لكن يركب الموجه وجوها.
ينزلون للشارع ويهتفون ويسير معهم مؤيدوهم وماصو العظام من بعدهم، مشاركوهم في المال الحرام أو بقايا ونتف منه. يحيطون بهم ويهتفون بلا خجل يوارونه.. في لبنان ظهروا في الكثير من الأماكن رغم شعار (كلن يعني كلن). يحاولون تسكين الانتفاضة والعودة بوجه جديد بمساحيق جديدة ستغسلها الأيام وتعود الحقيقة.. والشعب يقول لا نريدكم مللنا (هرمنا) نريد الأكفأ. لذا فهم يريدون صناع قرار مؤهلين علميًا وعمليًا ينتشلون الدولة من الفساد والتحكم الحزبي، يعرفون كيف ينقذوا الدولة مما وصلت إليه، فلبنان الجميل امتلأ بالقاذورات والخدمات شبه معدومة.
فبدلاً من ذوي الخبرة والعلم والتخطيط، ظهرت الوجوه القديمة، هذا يجعجع، وذاك يجنبلط، والآخر يركب ظهر سيارته ليمشي بين المتظاهرين محروسًا بالحماة له، والمعمم يطل عبر الشاشات. تذكرت مسرحية قديمة لدريد لحام، يقول فيها حسني البرزان للجمهور الثائر: سأغير من نفسي، وسأجعل فرق شعري من اليسار لليمين، وسأحمل وزارة المالية بدلاً من البلدية).
(ونقول له تيس يقول أحلبه).
تحت شعار (نريد وطننا) خرج العراقيون. ذاك الوطن الجميل سرق منهم في غمضة عين، والمحتل وضع قانونه فرق تسد وفرق ونهب. وما زال ينهب وأسس لمجموعة حرامية أحضرهم على ظهر دبابة، حرامي سرق بنك البتراء في الأردن ثم ارتمى في أحضان المخابرات الأمريكية، يكذب لهم وهم يعرفون الكذبة. انتهت مهمته فصفوه.
المهم الآن والانتفاضة في شوارع المدن والمحافظات والشهداء يتساقطون والعصيان المدني قد قام ضد كل فاسد وضد رهن الوطن للمعمميين وضد الوجود الإيراني. يخرج المعممون وأولهم المرجعية الشيعية وتوابعها ومن انشقوا عنهم أيضًا ليركبوا الموجة ويسيرونها كما يحبون.
العراقيون قالوها بوضوح بلا مواربة، جربناكم لا نريدكم، أذهبوا حيث شئتم فقط اتركوا لنا الوطن.
قالوها صريحة فافهموا «إنه تيس لا تقولوا أحلبوه..»..
وسلامتكم وسلامة الجزائر ولبنان والعراق.. ولعل المتضرر الأكبر العراق ربي أزل عنه الغمة واعد تشابك عروق شجره، ليعود الرز العنبر والقمح ونحلي بتمر البصرة، ويزداد نخيلها اخضرارًا.